من رذائله وفساده، ومَحق الأثَرَة والبخل فيه، طرح المسألة النفسية ليتَدراسَهَا أهلُ الأرض دراسةَ عمليةَ مدة هذا الشهر بطوله، فيَهبطُ كلُّ رجُل وكل امرأة إلى أعماق نفسه ومكامنها، ليختبرَ في مصنع فكره معنى الحاجة ومعنى الفقر وليفهم في طبيعة جسمه -لا في الكتب- معاني الصبر والثبات والإرادة، وليبلغَ من ذلك وذلك درجات الإنسانية والمواساة والإحسان؛ فيُحقق بهذه وتلك معاني الإخاء والحرية والمساواة.
شهرٌ هو أيام قلبيةٌ في الزمن؛ متى أشرفَت على الدنيا قال الزمنُ لأهله: هذه أيامُ من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي؛ فيُقبلُ العالم كلُّه على حالة نفسية بالغة السموّ، ويتعهدُ فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعَت من طعامها اليومي كما جاع هو، وكأنما أُفرغَتْ من خَسائسِها وشهواتها كما فَرَغَ هو، وكأنما أُلزِمَت معانيَ التقوى كما أُلزِمَها هو وما أجملَ وأبدع أن تَظهَر الحياةُ في العالم كله -ولو يوماً واحداً- حاملةً في يده السبحة..! فكيف بها على ذلك شهراً من كل سنة؟
إنها والله طريقة عملية لرسوخ فكرة الخير والحق في النفس؛ وتطهير الاجتماع من خسائس العقل الماديّ؛ ورد هذه الطبيعة الحيوانية المحكومة في ظاهرها بالقوانين، والمحررةِ من القوانين في باطنها - إلى قانون من باطنها نفسه يُطهرُ مَشاعرَها، ويسمو بإحساسها، ويصرفها إلى معاني إنسانيتها، ويُهذب من زياداتها، ويحذف كثيراً من فُضُولها، حتى يرجع بها إلى نحو من براءة الطفولة، فيجعلها صافية مُشرقة بما يجتذبُ إليها من معاني الخير والصفاء والإشراق؛ إذ كان من عمل الفكرة الثابتة في النفس أن تدعوَ إليها ما يلائمها ويتصل بطبيعتها من الفكر الأخرى والنفسُ في هذا الشهر مُحتَبَسَة في فكرة الخير وحدها، فهي تبني بناءَها من ذلك ما استطاعت.
هذا على الحقيقة ليس شهراً من الأشهر، بل هو فصلٌ نَفساني كفصول الطبيعة في دَورَانها؛ ولَهو والله أشبهُ بفصل الشتاء في حلوله على الدنيا بالجو الذي من