للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليه أعراف الضمائر فابتز أنفالها" (١) .

كم صدوا عن سبيله صدّاً، ومن ذا يدافع السيل إذا أهدر؟ واعترضوه بالألسنة ردّاً، ولعمري من يرد على الله القدر؟

ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا لانت فأنفاس الحياة الآخرة متى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب، وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسن ترعد من حمى القلوب.

معانٍ هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان، ترف بندى الحياة على زهرة الضمير، وتخلق في أرواجها من معاني العبرة معنى العبير.

يجري في الخواطر كما تصعد في الشجر قطرات الماء، ويتصل بالروح فإنما يمد لها بسبب إلى السماء.

ألفاظ لم تعهد كلم أحداقها، وثمرات لم تنبت في قلم أوراقها، ونور عليه رونق الماء فكأنما اشتعلت به الغيوم، وماء يتلألأ من النور فكأنما عصر من النجوم.

وهل رأوا إلا كلاماً تضيء ألفاظه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يريدون أن يطفئوا نور الله وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب تطفيه، ونور القمر من كف يحسب صاحبها أنها في حجمه فيرفعها كأنما يخفيه! وهيهات هيهات دون ذلك درج الشمس وهي أم الحياة في كفن وإنزالها بالأيدى وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.

لا جرم أن القرآن سر السماء، فهو نور الله في أفق الدنيا حتى تزول، ومعنى الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، وكذلك تمادى العرب في طغيانهم يعمهون، وظلت


(١) المراد: "أن ضمائر العرب امتنعت عن القرآن بما أستوعر فيها من العادات والأخلاق فنفذ إليها وابتزها وغلبها على أمرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>