وقال أيضاً:"كان - صلى الله عليه وسلم - بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك، فإنه كان يلتقي هو وجبريل عليه السلام وهو أفضل الملائكة وأكرمهم ويدارسه الكتاب الذي جاء به وهو أشرف الكتب وأفضلها وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتاب له خلقاً بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه، ويمتنع مما زجر عنه فلهذا كان يتضاعف جوده وأفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام وكرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود، ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقاً من المخالطة.
كان بعض الشعراء قد امتدح ملكاً جواداً فأعطاه جائزة سنية فخرج بها من عنده وفرّقها كلها على الناس وأنشد:
لمستُ بكفي كفه أبتغي الغنا ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فبلعْ ذلك الملك فأضعف له الجائزة.
وقد قال بعض الشعراء يمتدح بعض الأجواد ولا يصلح أن يكون ذلك إلا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
تعوّد بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبض لم تجبه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله
سمع الشبلي قائلاً يقول: يا الله ... يا جواد، فتأوه وصاح وقال: "كيف يمكنني أن أصف الحق بالجود ومخلوق يقول في شكله فذكر هذه الأبيات ثم بكى، وقال: بلى يا جواد فإنك أوجدت تلك الجوارح وبسطت تلك الهمم فأنت الجواد كل الجود. فإنهم يعطون عن محدود وعطاؤك لا حد له ولا صفة، فيا جوادا يعلوا