للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيا إياسك ويا إياس أهل النار وقد سمعوا رجوف أبوابها قد أغلق، وانقطع الرجاء ألا فرج أبداً، ولا مخرج منها، عذاب لا زوال له عن بدنك، ودوام حرق قلبك ومضضك، أحزان لا تنقضى وهموم لا تنفد، وسقم لا يبرأ، وقيود لا تحل، وأغلال لا تفك أبداً، وعطش لا يروون بعده أبدا، كرب لا يهدأ أبداً، لا يرحم بكاؤهم، ولا يجاب دعاؤهم.

"إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم جرت، وإنهم ليبكون الدم" (١) لا يغاثون عند تضرعهم، ولا تقبل توبتهم، ولا تقال عثرتهم، فتوهم ذلك بعقل فارغ، رحمة لضعفك، وارجع عما يكره مولاك، وترضي ربك عسى أن يرضى عنك، وأعِذْ به بعقلك، واستقله يقلل عثرتك، وابك من خشيته عسى أن يرحمك، فإن الخطر عظيم، وإن البدن ضعيف، والموت منك قريب، فاحذر الله وخفه واستح منه وأجله، ولا تستخف بنظره، ولا تتهاون باطلاعه، وأجلّ مقامه عليك، وعلمه بك، فلا طاقة لك بغضبه، ولا قوة لعذابه، ولا صبر لك على عقابه، ولا صبر عندك عن جواره، فتدارك نفسك قبل لقائه، فكأنك بالموت قد نزل بك بغتة فتوهم ما وصفت لك فإنما وصفت بعض الجمل، فتوهم ذلك بعقل فارغ موقن عارف بما قد جنيت على نفسك، وما استوجبت بجنايتك، وفكر في مصيبتك في دينك، ولير الله عز وجل عليك أثر المصيبة لعله أن يرحمك فيتجاوز عنك بمغفرته وعفوه.... جعلنا الله وإياك من زمرة العابدين الخائفين، وأقطعنا عمالات المتقين" (٢) .

***


(١) حسن: رواه الحاكم في "المستدرك" عن أبي موسى، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٢٠٣٢) .
(٢) "التوهم" للمحاسبي بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>