لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها، وصبرهم على بلائها، عندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها، مقدرين لها، مندفعين إليها.
ولابد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى، فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد، والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش من العيون، والران عن القلوب.
وأهم من هذا كله، أو القاعدة لهذا كله.. الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها، وتتوارى الأوهام وهي شتى، ويخلو القلب إلى الله وحده لا يجد سنداً إلا سنده، وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات وتتفتح البصيرة، وينجلي الأفق على مدّ البصر ... لا حول إلا حول الله، ولا ملجأ إلّا إليه.
قال تعالى:(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيية قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)[البقرة: ١٥٥-١٥٧] .
إنا لله.. كلنا.. كل ما فينا.. كل كياننا وذاتيتنا.. لله. وإليه المرجع والمآب في كل أمر، وفي كل مصير.. التسليم.. التسليم المطلق..
هؤلاء هم الصابرون.. الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل.. وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .
"صلوات من ربهم ورفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته سبحانه وهو مقام كريم.. ورحمة.. وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون.. وكل أمر من هذه هائل عظيم".
إن الله يضع الصبر في كفة.. ويضع في الكفة الأخرى أمراً واحداً.. صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.. إنه لا يعدهم هنا نصراً.. ولا يعدهم هنا تمكيناً، ولا يعدهم هنا مغانم، ولا يعدهم هنا شيئاً إلا صلوات الله ورحمته وشهادته