للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد وما نكره أن تلق بنا عدونا غداً إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقرّ به عينك فسر على بركة الله فَسُرّ رسول الله بقول سعد وقال: "سيروا وأبشروا فإن الله قد ودعني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم".

إنها قصة الاسغاثة والتجرد لله.

"استقبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً" فما زال يستغيث الله ويدعوه، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّاه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) [الأنفال: ٩] ، وقال تعالى: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) [الأنفال: ١٢] .

إنه يوم قتال جبريل والملائكة مع الصادقين.

عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: "من أفضل المسلمين -أو كلمة نحوها- قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة" (١) . وقتل صناديد قريش وقطع دابر الكافرين، وخضدت شوكتهم، وعلت راية الإسلام وكلمة الله بمقدار اتصال القلوب بالله لا تقف لها قوة وكان هذا عن تجربة واقعية لا مجرد تصور واعتقاد قلبي، لتتزود العصبة المسلمة من هذه التجربة الواقعية لمستقبلها كله وخلاصة هذه الموقعة ما قالته قريش نفسها قبلها.

"لما بعث خفاف بن أيماء بن رخضة الغفاري -أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري إلى قريش- حين مروا به، ابناً له بجزائر أهداها لهم، وقال لهم: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا، قال: فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم! قد قضيت الذي عليك.

فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم. ولئن كنا إنما نقاتل الله -كما يزعم محمد- فما لأحدٍ بالله من طاقة.


(١) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>