جنوب فرنسا، والحقيقة أن هذا الوالي كان من أفاضل عربِ أفريقية، ولّاه الخليفة عمر بن عبد العزيز ولاية الأندلس لما عرف عنه من الأمانة وحسن الخلق وذلك في شهر رمضان سنة مائة هجرية وطلب منه تنظيم البلاد وضبط أموالها، فسار في ذلك سيرة حسنة.
وفي عهده نشطت حركة الفتوح فيما وراء جبال البرانس، الفاصلة بين الأندلس وفرنسا، لأنه كان رجلاً وثيق الإيمان جم النشاط، فانطلق بجيشه في عام اثنين ومائة وفتح إقليم "سبتمانيا"، وهي المنطقة الساحلية التي تمتد من البرانس غرباً إلى مصبِّ نهر الرون شرقا، وتتصل بما يعرف اليوم بالريفيرا الإيطالية، كما أنها تُطلُّ على البحر الأبيضِ جنوب فرنسا، وكانت تشمل سبعة أقسام إدارية وعاصمتها "أربونة"، وقد استولى السمح على هذه العاصمة بعد شهر من الحصار، واتخذها مركزاً وقاعدة لعملياته الحربية في فرنسا، ولا يزال يوجد بهذه المدينة شارع يُنسب إليه ويعرف "بشارع السمح".
انطلق السمح بعد ذلك يفتح كل المدن التي بطريقه حتى وصل إلى "طُولوشة عاصمة أكويتانيا" فحاصرها، غير أنها قاومت الحصار، حتى وصلتها الإمدادات وعلى رأسها حاكم الإقليم الدوق أود الفرنجي، فتجمع للنصارى جيش كبير يفوق جيش المسلمين عدداً وتجهيزا، فوقف السمح في جنوده يُحمِّسهم ويشد من أزرهم ويقرأ قول الله تعالى:(إن ينصركم الله فلا غالبَ لكم)[آل عمران: ١٦٠] وحدثت معركة عنيفة بين المسلمين والنصارى أواخر سنة اثنتين ومائة هجرية، واشتد القتال بين الجانبين وصبر المسلمون صبراً كريماً، وأصاب قائدهم سهم قاتل فاستشهد في يوم عرفة، وفتَّ ذلك في عضد الجند فتراجعوا عن طولوشة واستطاع واحد من قادته وهو عبد الرحمن الغافقي الارتداد بهم إلى أربونة بعد أن قُتل منهم عدد كبير.
خلف السمح على ولاية الأندلس عنبسة بن سُحيم الكلبي، وواصل الغزو في فرنسا الجنوبية، فسار على الساحل حتى وصل إلى "قرقشونة" فحاصرها وشدد عليها الحصار حتى نزل أهلُها على شروطه، فتنازلوا له عن البلد ونصف الإقليم المحيط به، وتعهدوا بردِّ أسرى المسلمين الذين كانوا عندهم، وبأن يدفعوا الجزية، ويلتزموا بأحكام أهل الذمة من محاربة من حاربه المسلمون ومسالمة من سالموه، وأخذ منهم عنبسة بعض الرهائن وأرسلها إلى "برشلونة".