للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غلامين من قومهم فلما اجتازوا الجيش في طريقهما أنكر المسلمون أمرهما فسألوهما من أنتما؟ فقالا: من أصحاب فلان لأمير سموْه من أمراء المسلمين، فحملا إلى المعتصم فقررهما فإذا معهما كتاب من "مناطس" نائب عمورية إلى ملك الروم يعلمه بما حصل لهم من الحصار، وأنه عَازم على الخروج من أبواب البلد بمن معه بغتة على المسلمين ومناجزهم القتال كائناً في ذلك ما كان. فلما وقف المعتصم على ذلك أمر بالغلامين فخلع عليهما، وأن يعطى كل غلام منهما بدرة، فأسلما من فورهما، فأمر الخليفة أن يطاف بهما حول البلد وعليهما الخلع، وأن يوقفا تحت حصن "مناطس" فينثر عليهما الدراهم والخلع، ومعهما الكتاب الذي كتب به مناطس إلى ملك الروم فجعلت الروم تلعنهما وتسبهما، ثم أمر المعتصم عند ذلك بتجديد الحرس والاحتياط والاحتفاظ من خروج الروم بغتة، فضاقت الروم ذرعاً بذلك، وألحّ عليهم المسلمون في الحصار، وقد زاد المعتصم في المجانيق والدبّابات وغير ذلك من آلات الحرب، ولما رأى المعتصم عمق خندقها وارتفاع سورها، أعمل المجانيق في مقاومة السور وكان قد غنم في الطريق غنماً كثيراً جداً ففرقها في الناس وأمر أن يأكل كل رجل رأساً ويجيء بملء جلده تراباً فيطرحه في الخندق، ففعل الناس ذلك فتساوى الخندق بوجه الأرض من كثرة ما طرح فيه من الأغنام ثم أمر بالتراب فوضع فوق ذلك حتى صار طريقاً ممهداً، وأمر بالدبابات أن توضع فوقه فلم يحوج الله إلى ذلك، وبينما الناس في الجسر المردوم إذ هدم المنجنيق ذلك الموضع المعيب فلما سقط ما بين البرجين سمع الناس هدة عظيمة فظنها من لم يرها أن الروم قد خرجوا على المسلمين بغتة، فبعث المعتصم من نادى في الناس: إنما ذلك سقوط السور ففرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً لكن لم يكن ما هدم يسع الخيال والرجال إذا دخلوا، وقوىَ الحصار وقد وكلت الروم بكل برج من أبراج السور أميراً يحفظه، فضعف ذلك الأمير (١) -وندوا- الذي هدمت ناحيته من السور عن مقاومة ما يلقاه من الحصار فذهب إلى مناطس (٢) فسأله نجدة فامتنع أحد من الروم أن ينجده وقالوا: لا نترك ما نحن موكلون بحفظه.


(١) اسمه عند ابن جرير في تاريخه (٥/٢٤١) وتفسيره بالعربية "الثور".
(٢) عند ابن جرير اسمه "ياطس".

<<  <  ج: ص:  >  >>