للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحم القتال وثبت السلطان ابن قلاوون ثباتاً عظيماً، وأمر بجواده فقيدّ حتى يهرب، وبايع الله تعالى في ذلك الموقف وصدق الله فصدقه الله وقُتل جماعة من سادات الأمراء يومئذ منهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي، وثمانية من الأمراء المقدمين معه.

واحتدمت المعركة، وحمي الوطيس، واستحر القتل، واستطاع المغول في بادئ الأمر أن ينزلوا بالمسلمين خسارة جسيمة فقتل من قتل من الأمراء ولكن الحال لم يلبث أن تحول بفضل الله -عز وجل-، وثبت المسلمون أمام المغول وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وتغير وجه المعركة وأصبحت الغلبة للمسلمين، حتى أقبل الليل فتوقف القتال إلا قليلاً، وطلع المغول إلى أعلى جبل غباغب، وبقوا هناك طول الليل، ولما طلع النهار نزلوا يبغون الفرار بعد أن ترك لهم المسلمون ثغرة في الميسرة ليمروا منها، وقد تبعهم الجنود المسلمون وقتلوا منهم عدداً كبيراً، كما أنهم مروا بأرض موحلة وهلك كثيرون منهم فيها، وقبض على بعضهم.

قال ابن كثير: "فلما جاء الليل لجأ التتار إلى اقتحام التلول والجبال والآكام فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلا الله -عزّ وجل-، وجعلوا يجيئون بهم من الجبال فتضرب أعناقُهم.

ثم لحق المسلمون أثر المنهزمين إلى "القريتين" (١) يقتلون منهم ويأسرون ووصل التتار إلى الفرات وهو في قوة زيادته فلم يقدروا على العبور.. والذى عبر فيه هلك.. فساروا على جانبه إلى بغداد فانقطع أكثرهم على شاطيء الفرات وأخذ العرب منهم جماعة كثيرة.

وفي يوم الاثنين رابع رمضان رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشروا الناس بالنصر. وفيه دخل شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين، ففرح الناس به، ودعوا له، وهنؤوه بما يسرّ الله على يديه من الخير.

وفي يوم الثلاثاء خامس رمضان دخل السلطان إلى دمشق ويين يديه الخليفة، وزينت البلد، وبقيا في دمشق إلى ثالث شوال إذ عادا إلى الديار المصرية" (٢) .


(١) وهي بلدة على طريق المسافر بين بغداد ودمشق.
(٢) "البداية والنهاية" (١٤/٢٤-٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>