وكانت جزيرة قبرص، من المناطق التي فتحها المسلمون منذ عصر مبكر حيث وصلها معاوية بن أبي سفيان -رضى الله عنه- سنة ٢٨ هـ لتكون بعد ذلك خاضعة للمسلمين تدفع لهم الجزية كل عام، وظلت كذلك مدة من الزمن حتى إذا ضعف المسلمون بعد ذلك طمع فيهم الأعداء من نصارى أوروبا فغزوهم بجيوش جرارة متتابعة وسقطت بعض المناطق الإسلامية في أيديهم ومنها جزيرة قبرص.
والحقيقة أن هذه الجزيرة بموقعها الاستراتيجي شرق البحر الأبيض المتوسط ظلت طيلة الحروب الصليبية قاعدة ينطلق منها الصليبيون لمهاجمة العالم الإسلامي، وأصبح حكامها أكثر النصارى تعصباً للحروب الصليبية ورغبة في استمرارها، ولذا ظلوا يسعون لدى ملوك أوروبا ويطلبون منهم إرسال الحملات العسكرية لتحطم العالم الإسلامي.
وفي سنة ٧٦٩ هـ قاد ملك قبرص حملة صليبية اتجهت نحو الإسكندرية وهاجمها في غفلة من حكامها واستطاع دخولها فأعمل السيفَ في رقاب المسلمين وقتل وأسر ونهب، وكانت مقتلة عظيمة لم يصب هذا الثغر بمثلها قبل ذلك، وعاد هذا الملك الصليبي الحاقد على الإسلام محملا بما نهب من المسلمين.
وظل حكام المماليك في مصر يتحينون الفرصة للأخذ بالثأر والقضاء على خطر هذه الجزيرة ومعاقبة حكامها.
وفي عهد السلطان المملوكي الأشرف برسباي (٨٢٥-٨٤١ هـ) عقد هذا السلطان العزم على فتح هذه الجزيرة وأخذ يستعد لذلك بتجهيز المراكب وتجميع العساكر، وأرسل لها ثلاث حملات متتاليات في ثلاث سنوات ابتداءً من سنة ٨٢٧ هـ وكلُّها في شهر رمضان.
كانت الحملتان الأوليان لغرض الاستكشاف، استطاع المسلمون من خلالهما التعرف على الجزيرة ومدى قوة حكامها، كما حققوا انتصارات عليهم وعادوا محملين بالغنائم والأسرى.
أما الحملة الثالثة: فكانت في شهر رمضان سنة ٨٢٩ هـ وقادها أربعة من أمراء