للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحسن: نعم زمان المؤمن الشتاء: ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه.

وقال قتادة: إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن يقصر النهار فيصومه ويطول الليل فيقومه.

وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول: "يا أهل القرآن، قد طال الليل لصلاتكم، وقصر النهار لصومكم".

يا أخي: الشتاء ربيع المؤمن.

قال ابن رجب: "لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسّر الله فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام" (١) .

قال المناوي: "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" أي الغنيمة التي تحصل بغير مشقة والعرب تستعمل البارد في شيء ذي راحة، والبرد ضد الحرارة لأن الحرارة غالبة في بلادهم فإذا وجدوا برداً عدّوه راحة، وقيل الباردة: الثابتة من برد لي على فلان كذا أي ثبت، أو الطيبة من برد الهواء إذا طاب، والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب وأيضاً فإن الهواء والماء لما كان طيبها ببردهما سيما في بلاد تهامة والحجاز قيل هواء بارد وماء بارد على سبيل الاستطابة ثم كثر حتى قيل: عيش بارد وغنيمة باردة ذكره الزمخشري.

قال الطيبي: والتركيب من قلب التشبيه لأن الأصل الصوم في الشتاء كالغنيمة الباردة وفيه من المبالغة أن الأصل في التشبيه أن يلحق الناقص بالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس وقيل الأسد يجعل الأصل كالفرع والفرع كالأصل يبلغ التشبيه إلى الدرجة القصوى في المبالغة ومعناه الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير أن تمسه مشقة الجوع" (٢) .

فبادر أخي إلى صيام الشتاء تحصّل الغنائم وتكن من السعداء.


(١) "لطائف المعارف" (ص ٣٤١) .
(٢) "فيض القدير" (٤/٢٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>