وعلى التنزل على الطعام حقيقة فلا يضر شيء من ذلك لأن ما يؤتى به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجرى عليه أحكام المكلفين فيه، كما غسل صدره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طست الذهب، مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية حرام.
* وقال ابن المنير في الحاشية:"الذي يفطر شرعاً إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى، وليس تعاطيه من جنس الأعمال وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة".
* وقال غيره: لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما، والرواية الأصح:"أبيت" وأكله وشربه في الليل مما يؤتى به من الجنة لا يقطع وصاله خصوصية له بذلك فمن أكل منهم أو شرب انقطع وصاله، وهو لا تنقطع بذلك مواصلته فطعامه وشرابه غير طعامهم وشرابهم صورة ومعنى.
وحاصله أنه يحمل ذلك على حالة استغراقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحواله الشريفة حتى لا يؤثر فيه حينئذٍ شيء من الأحوال البشرية.
* وقال الجمهور: قوله: "يطعمني ويسقيني" مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال: يعطيني قوة الآكل والشارب من غير شبع ولا ري مع الجوع والظمأ، فيفيض عليه ما يسدّ مسد الطعام والشراب ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف ولا كلال.
* ويحتمل أن يكون المراد: أنه يشغلني بالتفكر في عظمته والتملّي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب.
* يقول شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية في "مدارج السالكين"(٢/٤٠٨) : "اعلم أن الله عز وجل جعل للقلوب نوعين من الغذاء: نوع من الطعام والشراب الحسي، وللقلب منه خلاصته وصفوه، ولكل عضو منه بحسب استعداده وقبوله.
والثاني: غذاء روحاني، خارج عن الطعام والشراب: من السرور والفرح، والابتهاج واللذة والعلوم والمعارف. وبهذا الغذاء كان سماوياً علويّاً، وبالغذاء المشترك كان أرضياً سفليّاً وقوامه بهذين الغذاءين. وله ارتباط بكل واحدة من الحواس الخمس، وغذاء يصل إليه منها".