* ذكر الحافظ ابن رجب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر، وذكر منها:
"تأخيره للفطور إلى السحور: روى عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: "ما واصل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصالكم قط غير أنه قد أخر الفطور إلى السحور" واسناده لا بأس به.
وزعم ابن جرير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يواصل في صيامه إلا إلى السحر خاصة وأن ذلك يجوز لمن قوي عليه ويكره لغيره وأنكر أن يكون استدامة الصيام في الليل كله طاعة عند أحد من العلماء وقال: إنما كان يمسك بعضهم لمعنى آخر غير الصيام ليكون أنشط له على العبادة أو إيثاراً بطعامه على نفسه أو لخوف وقلق منعه طعامه أو نحو ذلك فمقتضى كلامه أن من واصل ولم يفطر ليكون أنشط له على العبادة من غير أن يعتقد أن إمساك الليل قربة أنه جائز وإن أمسك تعبداً بالمواصلة، فإن كان إلى السحر وقوي عليه لم يكره وإلا كره".
وقال ابن رجب في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني" رواه مسلم.
"والصحيح أنه أشار إلى ما كان الله يفتح عليه في صيامه وخلوته بربه لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه، فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب.
الذكر قوت قلوب العارفين يُغنيهم عن الطعام والشراب كما قيل: أنت ربِّي إذا ظمئت إلى الماء وقوتي إذا أردتُ الطعاما.
ويتأكد تأخير الفطر في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، قال ذر بن حبيش: في ليلة سبع وعشرين. من استطاع منكم أن يؤخر فطره فليفعل".
لما جاع المجتهدون شبعوا من طعام المناجاة فأفٍ لمن باع لذة المناجاة بفضل لقمة:
يا من لحشا المحبّ بالشوق حشا ... ذاك سرّ سراك في الدجا كيف فشا
هذا المولى إلى المماليك مشا ... لا كان عيشاً أورث القلب غشا