وقد تلطف البخاري في التعقيب عليهم بإيراد أثر عمر في صدر الترجمة لأن أقصى ما يعتمدونه في معارضة الأحاديث دعوى عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند إليه أقوى من العمل في عهد عمر مع شدة تحرّيه ووفور الصحابة في زمانه "أن عمر بن الخطاب أتى برجل شرب الخمر في رمضان، فلما دنا منه جعل يقول: للمنخرين، والفم، [فلما رفع إليه عثر] فقال عمر: على وجهك، ويلك، وصبياننا صيام، ثم أمر به فضرب ثمانين سوطاً ثم سيره إلى الشام".
وأغرب ابن الماحشون من المالكية فقال: إذا أطاق الصبيان الصوم ألزموه. فإن أفطروا لغير عذرٍ فعليهم القضاء.
وفي حديث الربيع بنت معوذ قالت:"أرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية صومه، ومن أصبح صائماً فليصم. قالت: فكنا نصومه ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار".
وعند مسلم "أعطيناهم اللعبة تُلهيهم حتى يتموا صومهم".
ولقد أغرب القرطبي فقال: لعلّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعلم بذلك، ويبعد أن يكون أمر بتعذيب صغير بعبادة غير متكررة في السنة.
ويرد عليه حديث رزينة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كان يأمر مرضعاته في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواهم، ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل".
"فهكذا تربية الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذلك ربى الصحابة الكرام أبناءهم، فخرجت أجيال مسلمة تنشر الخير في ربوع الأرض، وعاشت بالإسلام وللإسلام، أما أن نترك أبناءنا وبناتنا يقضون أوقاتهم في الطرقات وفي منابت السوء، ينشأون على الفاسد من الأخلاق والذميم من الأفعال، فيشتد عودهم على ذلك وتشحن قلوبهم بغير الإسلام ثم نريدهم بعد بلوغهم سن الرشد مسلمين يعملون بالإسلام ويدعون إليه فإنهم لا يستجيبون لنا ولا يلقون بالاً لحديثنا وهل يجنى من الشوك العنب"(١) .
(١) من كلام للشيخ عمر الأشقر بتصرف. كتاب "الصوم في ضوء الكتاب والسنة" (ص٢٣) .