للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تبييت النيّة من الليل؛ لأنه في حقهما كالقضاء، لعدم تعينه عليهما، ولم يرتض الأحناف منه ذلك؛ لأن صوم رمضان متعينّ بنفسه على الكلّ، غير أنه جاز لهما تأخيره تخفيفاً للرخصة، فإذا صاما وتركا الترخيص التحقا بالمقيم الصحيح (١) .

وقد استدل الأحناف بأدلّة كثيرة نجملها فيما يأتي:

١- احتجوا بحديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلا ينادي في النّاس يوم عاشوراء: "أن من أكل فليتم، أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل" (٢) .

ولا يتم لهم الاستدلال بالحديث إلا على القول بأن صوم عاشوراء كان واجبا، وقد نازع في ذلك بعض مخالفيهم (٣) .

وإذا حققنا أن صوم عاشوراء كان واجبا فهل يتم للأحناف الاستدلال بالحديث على جواز صيام رمضان بنية من النهار؟

قال منازعوهم: لا؛ لأنَّ الحديث منسوخ، فلا يصحّ الاستدلال به. إلاَّ أن الأحناف قالوا: لا يلزم من كون الحديث منسوخا أن تنسخ كل الأحكام التي تتعلق به، فالحديث دل على شيئين: أحدهما: وجوب صوم عاشوراء، والثاني: أن الصوم الواجب في يوم بعينه يصحُّ بنية من نهار، والمنسوخ الأول: ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني (٤) .

ومع ذلك فإنّني أرى أنَّ الحديث لا تقوم به حُجة، لأن المتنازع فيه في صوم الفرض المقدور هل يجوز أن ينويه من النهار بلا عذر أم الذي دل عليه الحديث؟ فهو صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم عليه من الليل، كالذي لم يبلغه أن اليوم أول رمضان إلا بعد أن أصبح، وقد احتج ابن حزم بالحديث على صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم إلا بعد طلوع الفجر كما سيأتي.


(١) "فتح القدير" (٢/٤٨) .
(٢) رواه البخاري "فتح الباري" (٤/١٤٠) .
(٣) وهو الأقوى.
(٤) "حاشية السندي على النسائي" (٤/١٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>