للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء لا يعرف لهم مخالف من الصحابة أصلاً، والأحناف يستعظمون مخالفة الصحابي الذي لم يعرف له مخالف.

فإن قالوا: حديث عاشوراء يدل على جواز الصوم بنية من النهار، وهو أصح من هذا الحديث كما قاله أبن الهمّام (١) ، فالجواب أن حديثَ عاشوراء لا يدل على مدعاهم كما سبق بيانه.

٢- أنَّه من الآحاد، فلا يصلح ناسخاً للكتاب (٢) .

وكون الزيادة على النص القرآني تعتبر نسخاً لا يسلم لهم، كما بحثناه من قبل.

٣- أنهم حملوه على صوم القضاء والنذر:

وهذا تأويل بعيد كما يقول الآمدي: وإنما كان هذا التأويل بعيداً، لأن الصوم في الحديث نكرة، وقد دخل عليه حرف النفي، فكان ظاهره العموم في كل صوم، ثم المتبادر إلى الفهم من لفظ الصوم إنما هو الصوم الأصلي المتخاطب به في اللغات: وهو الفرض والتطوع، دون ما وجوبه بعارض، ووقوعه نادر، وهو القضاء والنذر.

وقد أصابَ الآمدي في رده عليهم عندما يينّ أنّ ترك ما هو قوي في العموم، وإخراج الأصل الغالب من النص، وإرادة العارض البعيد النادر إلغاز في القول. وقرّب هذا بمثال ضربه، فالسيد إذا قال لعبده: من دخل داري من أقاربي فأكرمه، ثم قال: إنّما أردت قرابة السبب دون قرابة النسب، أو ذوات الأرحام البعيدة، دون العصبات القريية، كان قوله منكراً مستبعداً (٣) .

٤- وقالوا ليس معناه كما ذكرتم، بل إنَّ المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام"، أي لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل بأن نوى الصيام من وقت النيّة (٤) .

وهذا تأويل غريب للحديث، يبطله أدنى تأمل في نص الحديث، فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:


(١) "فيض القدير" (٢/٤٧) .
(٢) "بدائع الصنائع" (٢/٨٦) .
(٣) "الإحكام في أصول الأحكام للآمدي" (٣/٨٣) .
(٤) "الهداية" (٢/٤٦) ، و"العنايهّ" (٢/٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>