للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان يقول بعض الأولياء العارفين عند كل أكلة: "اللهمَّ لا تؤاخذني بحق الجائعين"، وقد ثبت أن سيدنا يوسف عليه السلام ما كان يشبع من الطعام في سنة القحط مع كثرة المأكول عنده في ذلك العام لئلا ينسى أهل الجوع والفاقة وليتشبه بهم في الخاصة والحاجة" (١) .

قال أحمد شوقي أمير الشعراء: "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وعرف المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، وألم الجوع إذا لذع".

يقول المنفلوطي: "فتّشت عن الفضيلة في قصور الأغنياء فرأيت الغني إما شحيحاً أو متلافا، أما الأول فلو كان جار البيت فاطمة رضي الله عنها وسمع في جوف الليل أنينها وأنين ولديْها من الجوع ما مدّ أصبعيه إلى أذنيه ثقة منه أن قلبه المتحجر لا تنفذه أشعة الرحمة، ولا تمر بين طياته نسمات الإحسان، وأما الثاني: فمالُه بين ثغر الحسناء، وثغر الصهباء، فعلى يد أي رجل من هذين الرجلين تدخل الفضيلة قصور الأغنياء" (٢) .

ويقول رحمه الله: "لو أعطى الغني الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سُقماً ولا ألماً، لقد كان جديراً به أن يتناول من الطعام ما يشبع جوعته، ويُطفي غلته، ولكنه كان محباً لنفسه مغالياً بها فضمّ إلى مائدته ما اختلسه من صحفة الفقير فعاقبه الله على قسوته بالبِطنة حتى لا يَهنيءَ للظالم ظلمه ولا يطب له عيشه، وهكذا يصدق المثل القائل: بطنة الغني انتقام لجوع الفقير.

ما ضنّت السماء بمائها، ولا شحّت الأرض بنباتها، ولكن حسد القوي الضعيف عليهما فزواهما عنه واحتجنهما (٣) دونه فأصبح فقيراً معدماً، شاكياً متظلماً، غرماؤه المياسير الأغنياء لا الأرض والسماء".


(١) "مرقاة المفاتيح" (٤/٢٢٩) .
(٢) "أين الفضيلة" من كتاب النظرات (١/٧٢) لمصطفى لطفي المنفلوطي نشر دار الآفاق الجديدة.
(٣) احتجن الشيء إذا جذبه بالمحجن إلى نفسه، والمحجن الصولجان والمراد أنه استأثر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>