للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا حمل بعيد، يدلّ على ضعفه إذنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحاديث الأخرى بالحجّ والصيام، وبقوله للملبي عن شبرمة: "حجّ عن نفسك أولاً، ثم حجّ عن شبرمة".

السادس: ردّوا هذه الأحاديث بدعوى أنَّها مخالفة لظاهر القرآن:

يقول القرطبي: "رأي مالك أنَّ ظاهر حديث الخثعمية مخالف لظاهر القرآن، فرجح ظاهر القرآن"، وقد رجح القرطبي ظاهر القرآن لأمرين، قال: "ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره، ومن جهة أنَّ القول المذكور قول امرأة ظنَّت ظنًا"، ثم أورد إشكالا على ما ذهب إليه، ولم يستطع الردَّ عليه ردا مجزئًا، فقال: "لا يقال: قد أجابها الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن سؤالها، ولو كان غلطا لبينه لها، لأنَّا نقول: إنَّما أجابها عن قولها: أفاحج عنه؟ قال: "حجي عنه" (١) . فأين الجواب عن الإشكال الذي أورده؟ ولقد صدق ابن حجر وبرَّ حين قال معقبًا على ما ذكره القرطبي: "وتعقّب بأنَّ في تقرير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها على ذلك حجَّة ظاهرة" (٢) .

وما ذكره القرطبي ذكره الشاطبي بأجلى من عبارة القرطبي، قال: "هذه الأحاديث على قلتها معارضة لأصل ثابت في الشريعة قطعي، ولم تبلغ مبلغ التواتر اللفظي ولا المعنوي، فلا يعارض الظن القطع، كما تقرر أن خبر الواحد لا يعمل به إلا إذا لم يعارضه أصل قطعي، وهو أصل مالك بن أنس وأبي حنيفة". ثمَّ بين أنَّ هذا الجواب عن الأحاديث هو الجواب القوي المرضيّ، فقال: "وهذا الوجه هو نكتة الموضع، وهو المقصود فيه، وما سواه من الأجوبة تضعيف لمقتضى التمسك بتلك الأحاديث، وقد وضح مأخذ هذا الأصل الحسن" (٣) .

وفي الردّ نقول: إنَّ هذا الذي ردّوا به الأحاديث ليس بحسن، فإنَّ ما


(١) "فتح الباري" (٤/٧٠) .
(٢) "الموافقات" (٢/١٧٥) .
(٣) "الموافقات" (٢/١٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>