* فقال الجمهور: هذه الكفارة على الترتيب: فيجب عتق رقبة فإن عجز فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينًا، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد في أصح الروايتين عنه.
* وقال مالك: هو مخير بين الخصال الثلاث وأفضله عنده الإطعام.
* وعن الحسن البصري أنه مخير بين عتق رقبة ونحر بدنة.
* "وسبب اختلافهم في وجوب الترتيب: تعارض ظواهر الآثار في ذلك والأقيسة، وذلك أن ظاهر حديث الأعرابي المتقدم في باب الجماع يوجب أنها على الترتيب إذ سأله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الاستطاعة عليها مرتبًا، وظاهر ما رواه مالك من "أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينًا" أنها على التخيير. وأما الأقيسة المعارضة في ذلك فتشبيها تارة بكفارة الظهار وتارة بكفارة اليمين، لكنها أشبه بكفارة الظهار منها بكفارة اليمين، وأخذ الترتيب من حكاية لفظ الراوي.
وأما استحباب مالك الابتداء بالإطعام فمخالف لظواهر الآثار، وإنما ذهب إلى هذا من طريق القياس؛ لأنه رأى الصيام قد وقع بدلاً منه الإطعام في مواضع شتى من الشرع، وأنه مناسب له أكثر من غيره وهذا كأنه من باب ترجيح القياس الذي تشهد له الأصول على الأثر الذي لا تشهد له الأصول" (١) .
والراجح قول الجمهور وهي: أنها على الترتيب. ومما يرجح هذا:
* أن الذين رووا الترتيب أكثر فروايتهم أرجح لأنهم أكثر عددًا فمن روى الترتيب عن الزهري تمام ثلاثين نفسًا.
* ولأن معهم زيادة علم، حيث اتفقوا على أن الإفطار كان بالجماع، ولم يحدث هذا في الروايات الأخرى، ومن علم حجة على من لا يعلم.
* ومما يرجح الترتيب أنه أحوط.
* ولأن الأخذ به مجزئ سواء قلنا بالتخيير أو لا، بخلاف العكس.