"معنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف قلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقى له همّ سوى الله وما يرضيه عنه كما كان داود الطائي يقول في ليله: "همك عطّل عليّ الهموم وخالف بيني وبين السهاد، وشوقى إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات".
مال شغل سواه مالي شغل ... ما يصرف عن قلبي هواه عذل
ما أصنع إن جفان وخاب الأمل ... مني بدل ومنه مالي بدلْ
كان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه فقيل له: أما تستوحش؟
قال: كيف أستوحش وهو يقول: "أنا جليس من ذكرني".
أوحشتني خلواتي ... بك من كل أنيسي
وتفردت فعاينـ ... تك بالغيب جليسي (١)
* الاعتكاف لغة: اللبث والحبس والملازمة.
قال الشافعي في "سنن حرملة": الاعتكاف لزوم المرء شيئًا، وحبس نفسه عليه برًا كان أو إثمًا، قال الله تعالى:(ما هَذِه التَمَاثيلُ الَّتِي أَنتمْ لَهَا عَاكِفُونَ)[الأنبياء: ٥٢] .
قال تعالى:(فَاَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ)[الأعراف: ١٣٨] .