للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمت نفسك حتى تحييها، فعاقبة الصبر حلوة كم صبر بشر عن مشتهى حتى سمع: كل يا من لم يكل ما مد سجاف "نعم العبد" على قبة (ووهبنا له أهله) حتى جرب في أمانة (إِنا وجدناه صابرْا) .

إنَّ الألم ليحمد إذا كان طريقًا إلى الصحة، وإن الصحة لتذم إذا كانت سبيلاً إلى المرض، أي فائدة ساعة أوقعت غمًا طويلاً، ما فهم مواعظ الزمان من أحسن الظن بالأيام، إياك أن تسمع كلام الأمل فإنه غرور محض.

ألا خيراً لمقترح النواح ... أطير إليه منشور الجناح

فأسأله وألطفه عساه ... سيسلى ما بقلبي من جراح

ويجلو ما دجا من ليل جهلي ... بنور هدى كمنسلخ الصباح

سأصرف همتي بالكل عما ... نهاني الله من أمر المزاح

إلى شهر الخضوع مع الخشوع ... إلى شهر العفاف مع الصلاح

يجازي الصائمون إذا استقاموا ... بدار الخلد والحور الملاح

وبالغفران من رب عظيم ... وبالملك الكبير بلا براح

فيا أحبابنا اجتهدوا وجدّوا ... لهذا الشهر من قبل الرواح

عسى الرحمن أن يمحو ذنوبي ... ويغفر ذلتي قبل افتضاحي

قال الحسن: إن لله تعالى عبادًا، كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة صبروا أيامًا قصارًا تعقب راحة طويلة، أما الليل فصافة أقدامهم تسيل دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم عز وجل ربنا ربنا، وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء ينظر إليهم الناظر فيحسبهم عرض أو قد خولطوا وما بهم مرض ولكن خالط القوم أمرٌ عظيم" (١) . يا قليل الصبر إنما هي مراحل فصابر لجة البلاء فالموت ساحل، تأمل تحت سجف ليل الصبر


(١) "التبصرة" (١/٢٠٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>