وأما إن لم يكن المخبر الآخذ من الراديو مستكمل الشروط التي تقدمت لم يسغ العمل بخبره.
لكن إذا علم صدق نفسه وكان ذلك هلال دخول رمضان فإنه يصوم وحده على ما صرح به الفقهاء -رحمهم الله- في كتبهم، إلا أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية -قدس الله روحه- يرى الصوم. فهي مسألة خلاف، وهو مبني على أن الهلال هل هو اسم لما ظهر في السماء أو اسم لما اشتهر بين الناس؟ واختار هو رحمه الله الثاني.
وإن كان الهلال الذي لم يقبل خبره عنه هلال الفطر، فإنه يتعين عليه الصيام مع الناس. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضحُونَ".
وعلم مما تقدم: أنه ليس لسامع الإذاعة السعودية عن طريق الراديو أن يعمل في نفسه بذلك، بل يرد الأمر إلى مرجعه كما تقدم؛ بل هذا حكم من رأى الهلال رؤية عين أن لا يعمل بذلك، بل عليه أن يرد ذلك إلى مرجعه، فإن ثبت برؤيته هلال فذاك، وإلا ففيه التفصيل السابق.
وإذا كان هذا في رؤية الهلال بالعين فكذلك في مسألة أخذه عن الإذاعة بطريق الراديو.
وأما كون الطريق في التبليغ بعض هذه الآلات المودعة القوى الكهربائية مثل اللاسلكي والإذاعة والراديو فلا يضر ذلك الخبر شيئًا، ولا يفت في اعتباره، لوجود القرائن الدالة الواضحة القوية على صدور ذلك.
وقد كان من المعلوم الاكتفاء بصوت الآلات النارية كالمدفع ونحوه وقد كان مما يستعمل سابقًا عند ملوك المسلمين إشعال نيران في مواضع خاصة منتظمة بعيد بعضها عن بعض بقدر ما يدرك من في الموضع الثاني ضوء تلك النار التي في الموضع الأول، ثم الثالث مع الثاني كذلك، وهكذا إلى آخر موضع، يعلمون بإشعال تلك النار أمورًا هامة بناءً على تعميد واعتماد من يشعل تلك النار، ومن يراها أن ذلك الأمر الهام قد حصل، وكإخبار بمسير عدو، وأمر مخوف، وغير ذلك.