للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر العهد من زيارة قبر نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم. قال: ثم يتوجه إلى الروضة، ويصلي ركعتين عند الخروج، ويسأل الله العود مع السلامة والعافية.

قلت: وهو صريح في تقديم وداع النبي صلى الله عليه وسلم على توديع المسجد بالركعتين، ومقتضى كلام النووي وغيره ما قدمناه، وممن صرح بمقتضاه في تقديم الصلاة على توديعه صلى الله تعالى عليه وسلم أبو سليمان داود الشاذلي من المالكية في كتابه النيات والانتصار، والأصل في ذلك كما أشار إليه ابن عساكر حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم «كان لا ينزل منزلا إلا ودّعه بركعتين» .

ومنها: أن ينصرف عقب ذلك تلقاء وجهه، ولا يمشي القهقرى إلى خلفه، ويكون متألما متحزنا على فراق الحضرة النبوية، متأسفا على ما يفوته من تركه ملازمتها، وهناك تظهر من المحبين سوابق العبرات، ويتصعد من بواطنهم لقوة الوجد لواحق الزفرات.

وأنشد أبو الفضل الجوهري في توديعه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت كيف نكرر التوديعا

لعلمت أن من الدموع محدّثا ... وعلمت أن من الحديث دموعا

وقال العز بن جماعة: أنشدني والدي يعني البدر بن جماعة- لنفسه وهو يبكي عند وداعه لسفره من المدينة الشريفة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام:

أحنّ إلى زيارة حيّ ليلى ... وعهدي من زيارتها قريب

وكنت أظن قرب الدار يطفي ... لهيب الشوق فازداد اللهيب

ولله در القائل:

أرسلت أعيني دموعا غزارا ... وحوت أضلعي لهيبا ونارا

وتناآى صبري وهل بعد بعد ... يجد الصب سلوة واصطبارا

يا ديار الأحباب كان اختياري ... أن أراك المساء والأبكارا

ذاك لو يسمح الزمان، ولكن ... ليس لي أن أعارض الأقدارا

ليس نأيي رضى وعن طيب نفس ... إنما كان بالقضاء اضطرارا

واختياري أن لا أفارقك الده ... ر ولكن لا أملك الاختيارا

فعسى الله أن يمن بعود ... فعساه يطفي لهيبا ونارا

ومنها: أن يستصحب منه هدية ليدخل بها السرور على أهله ومعارفه، من غير أن يتكلفها، سيما ثمار المدينة ومياه آبارها النبوية، ولا يستصحب شيئا من تراب حرم المدينة ولا من الأكر المعمولة منه، قال النووي: وكذا الأباريق والكيزان وغير ذلك من التراب والأحجار فإنه لا يجوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>