قلت: وقد سبق واضحا في الحرم، واستدلوا لاستحباب استصحاب الهدية بحديث ضعيف رواه الدارقطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال «إذا سافر أحدكم فليهد لأهله، وليطرفهم ولو كانت حجارة» وذكر الغزالي في الإحياء سببا لذلك، وهو تشوف النفوس إلى ذلك، خصوصا الأولاد ونحوهم.
ومنها: أن يتصدق بشيء مع خروجه من المدينة الشريفة، وينوي حينئذ ملازمة التقوى، والاستعداد للقاء الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم في يوم الميعاد، وليحذر كل الحذر بعد ذلك من مقارفة الذنوب، فإن النّكسة أشد من المرض، وليحافظ على الوفاء بما عاهد الله تبارك وتعالى عليه، ولا يكون خوّانا أثيما فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما.
ومنها: أن يكون مع ذلك دائم الأشواق لذلك المزار، ومشاهدة عظيم تلك الآثار، متعلق القلب بالعود إلى تلك الديار، ينمي شوقه بتأمل ما نقل في ذلك من الأخبار والآثار، وما نظم فيه من نفائس الأشعار.
ومن أعذبها وأعجبها قصيدة الإمام الولي العارف بالله أبي محمد البكري، وقد أخبرني بها جماعة من المشايخ الأجلّاء المسندين منهم شيخنا الشيخ الإمام العلامة شيخ المحدثين بالمسجد النبوي ناصر الدين أبو الفرج محمد ابن الإمام العلامة قاضي طيبة زين الدين أبي بكر بن الحسين العثماني المراغي سماعا عليه بالروضة الشريفة النبوية، قال:
أخبرني والدي إذنا إن لم يكن سماعا قال: أخبرني شيخنا الحافظ أبو السيادة عبد الله عفيف الدين بن محمد بن أحمد المطري قراءة عليه، قال: أخبرني الشيخ الإمام العارف أبو محمد عبد الله بن عمر بن موسى البكري سماعا غير مرة، قال:
دار الحبيب أحقّ أن تهواها ... وتحنّ من طرب إلى ذكراها
وعلى الجفون متى هممت بزورة ... يا ابن الكرام عليك أن تغشاها
فلأنت أنت إذا حللت بطيبة ... وظللت ترتع في ظلال رباها
مغنى الجمال مني الخواطر والتي ... سلبت عقول العاشقين حلاها
لا تحسب المسك الذكي كتربها ... هيهات أين المسك من ريّاها
طابت فإن تبغي التطيب يا فتى ... فأدم على الساعات لثم ثراها
وابشر ففي الخبر الصحيح مقررا ... أن الإله بطابة سماها
واختصها بالطيبين لطيبها ... واختارها ودعا إلى سكناها
لا كالمدينة منزل، وكفى لها ... شرفا حلول محمد بفناها