المسجد في موضع مجلس بني عبد الرحمن بن الحارث، وأن عائشة رضي الله عنها كانت ترجل رأسه وهو معتكف في المسجد وهي في بيتها، وكان مالك بن أنس يقول: الجدار من المشرق في حد القناديل التي بين الأساطين التي في صفها أسطوان التوبة وبين الأساطين التي تلي القبر، وأرفه عمر بن عبد العزيز من ورائها في الأسطوانة التي تلي القبر.
قلت: ما نقله عن مالك صريح فيما قدمناه من أن جدار المسجد الشرقي كان فيما بين الأساطين اللاصقة بالقبر وبين الأساطين المقابلة لها؛ فيكون في محاذاة القناديل الآخرة من القبلة إلى الشام فيما بين هذه الأساطين، ويكون عمر بن عبد العزيز أخره إلى الأسطوان اللاصق بجدار القبر، وسيأتي ما يصرح بذلك من كلام المحاسبي أيضا وأما قوله:«واحتجوا إلى آخره» فوجه الاحتجاج أن معتكفه صلّى الله عليه وسلّم كان لاصقا بحجرته، بحيث إن عائشة رضي الله عنها كانت ترجل رأسه وهو في معتكفه وهي في بيتها، ولهذا أورد ابن زبالة عقبه حديث «كان يدنو مني وأنا حائض فأرجله وهو في المسجد» ومجلس بني عبد الرحمن بن الحارث الذي ذكره ابن زبالة لا يعرف اليوم، وروى ابن زبالة ويحيى في بيان معتكفه صلّى الله عليه وسلّم أشياء سنذكرها إن شاء الله تعالى، والمناسب لما نحن فيه منها: أنه كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم سرير من جريد فيه سعفه يوضع بين الأسطوان التي وجاه القبر وبين القناديل، كان يضطجع عليه صلّى الله عليه وسلّم وقوله:«التي وجاه القبر» يريد به المواجهة له، وهي اللاصقة بشباك الدائر على الحجرة اليوم في صف أسطوان التوبة، بل قيل: إنها أسطوان التوبة كما سيأتي، وهذا مطابق لما ذكره مالك من أن الجدار كان في حد القناديل المذكورة.
وأسند ابن زبالة أيضا عن غير واحد من أهل العلم أن مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان ثلاث أساطين عن يمين المنبر وأنت مستقبل القبلة في موضع معتكف حسن بن زيد الذي كان يعتكف فيه، ومن الشق الآخر إلى أسطوان التوبة، وكان ذرعه من المشرق إلى المغرب ثلاثة وستين ذراعا، وقال عبد الرحمن بن سعد عن أشياخه: كان خمسين في خمسين.
قلت: فيكون الحجر التي في شرقي المسجد أدخلت بعد أو بعضها في الزيادة الآتية أو أنها لم تستقر في شرقيه إلا بعد ذلك.
ثم قال ابن زبالة: قالوا: وعلامة مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أي الذي بني عند مقدمه من مكة- وذكر علامات كانت في السقف المحترق والفسيفساء التي زالت فلا تعرف اليوم، ثم قال: وعلامة مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي بني عند مقدمه من خيبر قالوا: ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد من القبلة في تلك البنية في حده الأول، وزاد فيه من ناحية