وأما المسمار المواجه للوجه الشريف فقد تقدم أن بينه وبين أول الصفحة الغربية من المغرب خمسة أذرع، وقد اعتبرت ذلك فنقص يسيرا نحو سدس ذراع، وكأنه لاختلاف الأذرعة، ولم أعلم ابتداء حدوث التعليم بهذا المسمار أيضا، والمذكور في كلام المتقدمين إنما هو التعريف بأن يجعل القنديل على رأسه، لكن قال المطري: إن ما ذكر من القيام تحت القنديل تجاه الحجرة الشريفة للسلام كان قبل احتراق المسجد الشريف؛ فإنه لم يكن يقابل وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا قنديل واحد؛ ولما جدد جعل هناك عدة قناديل، وإنما علامة الوقوف تجاه الوجه الكريم اليوم مسمار فضة في رخامة حمراء، انتهى. وهو يوم حدوث التعليم به بعد الحريق، ولأن ابن جبير ذكره في رحلته وهو أقدم من ابن النجار فقال عند وصف الحجرة الشريفة: وفي الصفحة القبلية أمام وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم مسمار فضة هو أمام الوجه الكريم، فتقف الناس أمامه للسلام، انتهى. وأيضا فقد روى ابن الجوزي في «مثير الغرام الساكن» أن ابن أبي مليكة كان يقول: من أحب أن يقوم وجاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فليجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه، ثم قال ابن الجوزي: وثم ما هو أوضح علما من القنديل، وهو مسمار من صفر في حائط الحجرة، إذا حاذاه القائم كان القنديل فوق رأسه، انتهى.
وقال يحيى في كتابه: كان بن أبي مليكة يقول: إذا جعلت القنديل على رأسك والمرمرة المدخولة في جدار القبر قبالة وجهك استقبلت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: وكأن هذا المسمار في موضع تلك المرمرة، ولهذا قال ابن النجار: إن اليوم هناك علامة واضحة، وهي مسمار من فضة في حائط حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذا قابله الإنسان كان القنديل على رأسه، فيقابل وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم، انتهى.
ولم أر لهذا المسمار ذكرا في كلام من صنّف في المناسك قبل ابن جماعة، والذي في مناسك ابن الصلاح أخذا من الإحياء ذكر القنديل، وجعله حذار رأس الزائر، ونقله عن ابن أبي مليكة، واقتضى كلامه أن الواقف هناك يكون بينه وبين السارية التي عند رأس القبر عند زاويته الغربية وهي أسطوان الصندوق نحو أربعة أذرع؛ فهو قريب مما تقدم في التعليم بالمسمار المذكور، وإن لم يصرح به، لكن قال الأقشهري ومن خطه نقلت: أخبرنا الإمام العالم رضي الدين أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن أبي بكر إمام مقام إبراهيم الخليل بمكة توفي في تاسع شهر ربيع الأول من عام اثنين وعشرين وسبعمائة والشيخ الوزير أبو عبد الله محمد بن أبي بكر محمد بن عيسى المومناني قالا: أخبرنا الإمام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح السهروردي قال: ثم يأتي الزائر الصريح المقدس فيستدبر القبلة ويستقبل جداره نحو ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع من الجدار وجاه المسمار الذي في الجدار القبلي من