للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد هبّت نسيمات لنجد ... فطب واشرب بكاسات كبار

فما وقت يمرّ بمستعاد ... وما دار الأعزّة بالقرار

فودّع أرض نجد قبل بعد ... فما نجد لمرتحل بدار

أقول لمن يمرّ بأرض نجد ... ويظفر من رباها بالديار

تزود من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار

وقل أيضا لمغتنم صفاء ... على معنى يلوح لذي اعتبار

إذا العشرون من شعبان ولّت ... فواصل شرب ليلك بالنهار

ولا تشرب بأقداح صغار ... فإن الوقت ضاق على الصغار

فلما قضيت من ذلك الوطر، متعت عيني من تلك الساحة بالنظر، لأتحف بوصفها المشتاقين، وأنشر من طيب أخبارها في المحبين، فتأملت الحجرة الشريفة فإذا هي أرض مستوية، وتناولت من ترابها بيدي فإذا فيه نداوة وحصباء كالحصباء المتقدم وصفها بين الجدارين يظهر عند فحصه بالأصابع، ولم أجد للقبور الشريفة أثرا، غير أن بأوسط الحجرة موضعا فيه ارتفاع يسير جدا، توهموا أنه القبر الشريف النبوي، فأخذوا من ترابه للتبرك فيما زعموا، ومنشأ ذلك الوهم جهل من كان هناك بأخبار الحجرة الشريفة، وذلك المحل ليس هو القبر النبوي قطعا، ولعله قبر عمر رضي الله عنه؛ لأن الشافعي رضي الله عنه قد نص على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما لحد له في جدار القبلة.

قال الشافعي، فيما نقله عنه الأقشهري ردا على من قال إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أدخل لقبره معترضا: هذا من فحش الكلام في الأخبار؛ لأن قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان قريبا من الجدار، وكان اللحد تحت الجدار، فكيف توضع الجنازة على عرض القبر حتى سلّ معترضا؟ فدلّ على أن هذا النقل غير صحيح، انتهى.

وروى ابن عساكر عن جابر رضي الله عنه قال: رشّ قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان الذي رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه حتى انتهى إلى رجليه ثم ضرّجه بالماء إلى الجدار، لم يقدر على أن يدور من الجدار لأنهم جعلوا بين قبره وبين حائط القبلة نحوا من سوط.

وقال ابن سعد في طبقاته: أخبرنا شريح بن النعمان عن هشيم قال: أخبرني رجل من قريش من أهل المدينة يقال له محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سقط حائط قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم في زمن عمر بن عبد العزيز- وهو يومئذ على المدينة في ولاية الوليد- فكنت في أول من نهض، فنظرت إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا ليس بينه وبين حائط عائشة رضي الله عنها إلا نحو من شبر، فعرفت أنهم لم يدخلوه من قبل القبلة، وعلى تقدير أن يكون ثمّ موضع بين

<<  <  ج: ص:  >  >>