القبر الشريف وبين جدار القبلة بحيث يتأتى إدخاله صلّى الله عليه وسلّم من ناحية القبلة فلا يكون ذلك الموضع محل القبر الشريف؛ لبعده من جدار القبلة جدا. وفيما رواه ابن زبالة ويحيى من خبر عبد الله بن محمد بن عقيل في قصة سقوط جدار الحجرة الشريفة المتقدم ذكره أن عمر بن عبد العزيز قال لمزاحم لما دخل: يا مزاحم كيف ترى قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: متطاطيا، قال:
فكيف ترى قبر الرجلين؟ قال: مرتفعين، قال: أشهد أنه رسول الله.
وقد قدمنا من وصف داخل الحجرة وذكر ذرعها ما فيه كفاية.
وقد تأملت التفاوت بين أرض الحجرة الشريفة وبين أرض الفضاء الخارج بين الجدار الشامي الداخل وزاوية الجدار الخارج فوجدت أرض الحجرة أنزل منه بنحو ذراع ونصف، وتقدم أن أرض الفضاء المذكور أخفض مما حول الحجرة من المسجد بذراع وثلث، فيكون التفاوت بين داخل أرض الحجرة وأرض المسجد نحو ثلاثة أذرع.
وتأملت آثار ردم الحريق في الجدران فرأيته في بعضها نحو ثلاثة أذرع، وفي بعضها نحو ذراعين، وأخبرني المباشرون لإخراجه بذلك أيضا.
ثم هدموا من الجدار القبلي مما يلي المشرق جانبا نحو أربعة أذرع وشيء، حتى بلغوا به أرض الحجرة.
وهدموا أيضا جانبا من الجدار الغربي مما يلي الشام حتى بلغوا به الأرض أيضا، وذلك نحو خمسة أذرع منه، فعلوا ذلك ليتأتى لهم إحكام القبة التي أجمعوا أمرهم عليها، ولم يبق من أركان الحجرة الشريفة سوى مجمع جدار القبلة وجدار المغرب.
ثم إنهم هدموا من علو ما بقي من الجدارين المذكورين نحو خمسة أذرع، ولم يبق من بناء الحجرة الأصلي إلا ما فضل منهما.
ووجدوا عند هدم مبدأ الجدار القبلي من أعلاه ميزابا قد احترق بعضه من جهة ما كان في بناء الجدار، وبقي منه نحو الذراع، وهو من عرعر له رائحة ذكية، وسعة مجرى الماء فيه نحو أربعة أصابع أو خمسة، كأنه كان ميزابا للحجرة الشريفة قديما فحرص الأقدمون على ما بقي منه بعد الحريق ووضعوه بين السترة التي أحدثوها لأجل السقف وبين رأس الجدار، فجزاهم الله خيرا.
ولما أعيد بناء الحجرة حرصت على أن يعاد فيها، فوعدني متولي العمارة بذلك، فلما كان عند ختم البناء سألته عنه، فذكر لي أنه جعله في البناء الآتي ذكره في أعلى الجدار الشامي بين ما بقي من لبن الحجرة وليّس عليه بطين ذلك اللبن.
ثم عند الشروع في إعادة بناء الحجرة اقتضى رأيهم إدخال الأسطوان المتقدم وصفه خلف جدار الحجرة الشامي لتشققه فزادوا في عرض ذلك الجدار من الرحبة المثلاثة الشكل