فعلام تخدع نحلك وتكيدها؟ هلا جعلت ما أعطيت عمرا صلة؟ فقال: إنك عاديت سعيدا حيّا وميتا، وما بلغ من إثماني لضيعته مكيدة قريش، ولقد علمت قريش أني أحفظ الميت في الحي وأصل الحي للميت، ولهو خير لكم أن أكون كذلك، فأخذ عمرو المال، فأتى به المدينة فقضى دين أبيه، ثم أمر بأخوال أبيه فدخلوا عليه، فوصلهم، ثم أدخل إخوانه، فوقع الشر بينه وبين مروان ومروان خاله، فقال:
يكايدنا معاوية بن حرب ... ولسنا جاهلين بما يكيد
في أبيات بلغت معاوية، فأنشد:
ألا لله درّ غواة فهر ... أريد سوى الذي فهر تريد
أراني كلما أخلقت ضغنا ... أتاني منهم ضغن جديد
في أبيات، قال الزبير: ولم يصح عندي الشعران.
وروي عن سعيد أنه قال لابنه: إن منزلي هذا بالعرصة ليس من العقد، إنما هو منزل نزهة، فبعه من معاوية، واقض ديني ومواعيدي، ولا تقبل من معاوية قضاء ديني.
وعن نوفل بن عمارة أن سعيدا قال لابنه: إني موصيك بأربع، لا تنقلني من موضعي يعني قصره- حتى أموت فيه؛ فإنه أحب المواضع إليّ، وقليل لي من قومي في بري بهم أن يحملوني على رقابهم إلى موضع قبري، وذكر الوصايا الثلاث المتقدمة؛ فلما توفي حمله رجال قريش حتى دفنوه بالبقيع، وقصره على ثلاثة أميال من المدينة، ثم رحل ابنه إلى معاوية، فدخل وهو أشعث، فقال له معاوية: ما بالك؟ قال: هلك أبو عثمان، فترحّم عليه، ثم قال: حاجتك فذكر وصاياه، فسأله عن دينه، فقال: ثلاثة آلاف ألف، قال: هو عليّ، قال: إنه أمرني أن لا يكون إلا من صلب ماله، قال: فبعني، قال: بعتك العرصة، قال: قد أخذت القصر بألف ألف، والنخيل بألف ألف، والمزارع بألف ألف، ثم قال: يا أهل الشام، اكتبوا عليه لئلا يندم، وفي رواية أنه قال: أمرني أن أبيع في دينه ما استباع من أمواله، قال معاوية: فعرضني ما شئت قال: أنفسها وأحبها إلينا منزله بالعرصة، فقال:
هيهات لا يبيعونه، انظر غيره، قال: تحب تعجيل قضاء دينه؟ قال: قد أخذته بثلاثمائة ألف، قال: اجعلها بالوافية يعني الدرهم زنة المثقال، قال: قد فعلت، قال: وتحملها إلى المدينة قال: ونفعل، فقدم عمرو فجعل يفرقها في الديوان، ويحاسبهم بما بين الدراهم الوافية وهي البغلية والدراهم الجواز، حتى أتاه فتى من قريش بذكر حق له من أديم فيه عشرون ألف درهم بخط مولى لسعيد وشهادة سعيد على نفسه، فعرف الخط وأنكر أن يكون لذلك الفتى الصعلوك ذلك، فقال: ما سبب مالك؟ قال: رأيته وهو معزول وهو يمشي وحده، فمشيت معه لباب داره، فوقف وقال: هل لك حاجة؟ قلت: رأيتك تمشي وحدك