للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ فَإِنْ خَشِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَمُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُفْعَةٌ)

ــ

[المنتقى]

عَلَيْهِ ضَمَانٌ لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّعَدِّي.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي وَهَبَ بَعْضَ الدَّارِ، أَوْ النَّخْلِ بَعْدَ أَنْ قَلَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهَا إنْ شَاءَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ النَّقْضَ إنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ، أَوْ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ تَعَدَّى أَجْنَبِيٌّ فَهَدَمَهَا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَكَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ لَا يَتْبَعَ الْمُتَعَدِّيَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ لَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ هَلَكَ الشُّهُودُ، أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنَسِيَ أَصْلَ الْبَيْعِ لِطُولِ الزَّمَانِ لَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَلَمْ يَبْطُلْ الِاسْتِحْقَاقُ يُرِيدُ أَنَّ لِطُولِ الزَّمَانِ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ فَإِذَا أَتَى مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مَا تَبِيدُ فِيهِ الشُّهُودُ وَبَادُوا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ؛ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ إذَا مَضَى قَدْرُ سَنَةٍ مَعَ حُضُورِ الشَّفِيعِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَالثَّانِي أَنَّ الظَّاهِرَ تَرْكُهُ الطَّلَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِ مَا يَطْلُبُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُصْرَفْ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ حَتَّى طَالَ الزَّمَانُ وَمَضَتْ الْمُدَدُ الَّتِي لَا يَكَادُ يُغَيِّرُ فِيهَا ذُو الْحَقِّ عَنْ النَّظَرِ فِي الطَّلَبِ لِحَقِّهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ تَرْكُهُ لِلشُّفْعَةِ وَلِهَذَا أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ وَلِهَذَا ثَبَتَتْ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْمَدَدِ دُونَ مَا بَعُدَ مِنْهَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ الثَّمَنُ وَجُهِلَ فَإِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ.

وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أُخْتٍ لَهُ بِحِصَّةٍ مِنْ قَرْيَةٍ وَقَالَ كُنْت أَصَبْت مِنْ مُوَرِّثِهَا مَا لَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يُعْرَفُ قَالَ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا يَعْرِفُهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَا يَطْلُبُهُ وَلَوْ كَانَ عَنْ شَيْءٍ يَدَّعِيهِ وَيَطْلُبُهُ فَصُولِحَ بِهِ لَكَانَ كَالْبَيْعِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ فَعَلَى هَذَا لِطُولِ الْمُدَّةِ أَحْوَالٌ مِنْهَا أَنْ تَطُولَ جِدًّا حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَبِيدُ فِيهَا الشُّهُودُ وَيَنْسَى الثَّمَنَ فَهَذَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ وَمَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّةِ تَبْطُلُ فِيهَا شُفْعَةُ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ وَهِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّةِ تَجِبُ الْيَمِينُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّهُ مَا تَرَكَ فِيهَا الْقِيَامَ تَرْكًا لِشُفْعَتِهِ وَيَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ فِيهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دُونَ يَمِينٍ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَمَدُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ الثَّمَنَ لِيَقْطَعَ الشُّفْعَةَ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ يُرِيدُ أَنَّ إخْفَاءَ قَدْرِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ ذَلِكَ إخْفَاءُ قَدْرِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَلَوْ كَانَ الْجَهْلُ بِالثَّمَنِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ لَاتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى كِتْمَانِهِ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَثَبَتَ الضَّرَرُ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ قُوِّمَتْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ ثَمَنَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَخْفَى الْمُتَبَايِعَانِ الثَّمَنَ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعِوَضَ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وَهَذَا حُكْمُ الشِّقْصِ يُنْكَحُ بِهِ، أَوْ يُخَالَعُ بِهِ، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ مَا كَانَ عِوَضُهُ لَا قِيمَةَ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا جَهِلَ ثَمَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ خَلَّفَ وَرَثَةً فَبَاعَ بَعْضُهُمْ، أَوْ جَمِيعُهُمْ فَلِسَائِرِ الْوَرَثَةِ إنْ بَاعَ بَعْضُهُمْ، أَوْ لِمَنْ شَرَكَهُمْ إنْ بَاعَ جَمِيعُهُمْ الشُّفْعَةُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ الشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ أَيْ فِي الْمَالِ الَّذِي كَانَ لِلْمَيِّتِ وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِوِرَاثَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْمَيِّتِ إمَّا لِدَيْنٍ لَزِمَهُ يُبَاعُ فِيهِ مَالُهُ، أَوْ لِوَصِيَّةٍ تَعَلَّقَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>