للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ فَيَهْلِكُ فِي ذَلِكَ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ) .

ــ

[المنتقى]

وَانْكَسَرَتْ سِنُّ الْآخَرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَى السَّاقِطِ دِيَةَ سِنِّ الَّذِي سَقَطَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْآخَرِ دِيَةٌ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَقَالَ رَبِيعَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ مَا أُصِيبَ بِهِ الْآخَرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِسَبَبِ السَّاقِطِ دُونَ سَبَبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَعْقِلْ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ رَجُلًا فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الْعَقْلُ دُونَ الْمَدْفُوعِ، وَمَنْ مَرَّ بِجَزَّارٍ يَقْطَعُ لَحْمًا فَدَفَعَهُ آخَرُ فَسَقَطَ فَوَقَعَتْ يَدُهُ تَحْتَ فَأْسِ الْجَزَّارِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَقْلُ ذَلِكَ عَلَى طَارِحِهِ أَوْ قَالَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَزَّارِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ سَقَطَ ابْنُهُ مِنْ يَدِهِ فَمَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ عَلَى ابْنِهِ وَابْنِ غَيْرِهِ فَمَاتَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سُقُوطَهُ مِنْ يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ إنَّمَا هَلَكَ بِحَرَكَتِهِ، وَهِيَ الْحَرَكَةُ الَّتِي سَقَطَ بِهَا، وَأَمَّا إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّ الْهَالِكَ إنَّمَا هَلَكَ بِحَرَكَةِ السَّاقِطِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ سَبَبِ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ طَلَبَ غَرِيقًا فَلَمَّا أَخَذَهُ خَشِيَ الْمَوْتَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ فَمَاتَ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ ابْتَدَأَ نُزُولَ بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ بِسَبَبِ مِسْكِهِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَانَ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ سَيِّدِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ أَبِيهِ إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ يُجْرِي الْخَيْلَ فَأَمَرَهُ رَجُلٌ أَنْ يُجْرِيَ لَهُ فَرَسَهُ وَأَذِنَ فِي ذَلِكَ أَبُوهُ فَوَقَعَ عَنْهُ فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَرَأَى إذْنَ الْأَبِ كَالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا يُجْزِي إذْنُهُ كَيَتِيمِ الرَّجُلِ وَابْنِ أَخِيهِ فَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَهَذَا وَجْهُ الْإِذْنِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا يَعْمَلُ غَالِبًا كَمُنَاوَلَتِهِ النَّعْلَ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَهَذَا لَا يُضْمَنُ فِيهِ عَبْدٌ وَلَا صَبِيٌّ، وَلَا فِيهِ أَجْرٌ وَضَرْبٌ لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي مِثْلِهِ بِالْإِجَارَةِ أَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِإِجَارَةِ فَاسْتَعْمَلَهُ بِإِجَارَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي الْعَمَلِ بِغَيْرِ إجَارَةٍ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ضَامِنٌ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَدٍّ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا فِي الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ جُمْلَةً فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَلَهُ أُجْرَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ فَلِلسَّيِّدِ إجَارَتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا لَهُ بَالٌ فَضَمِنَهُ بِالتَّعَدِّي، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ أَعْطَى دَابَّتَهُ عَبْدًا لِيَسْقِيَهَا فَعَطِبَ ضَمِنَ صَغِيرًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ كَبِيرًا.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا عَلِمَ الْمُسْتَعْمِلُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِي الْآبِقِ يَسْتَأْجِرُهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا فَيَعْطَبُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مُسْتَأْجِرُهُ بِإِبَاقِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُهُ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعْمَلَ عَبْدًا أَوْ مَوْلًى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْعَمَلِ الْمَخُوفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرِّقِّ أَوْ بِالْوَلَاءِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْحُرِّيَّةُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةَ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِهِ وَنَسَبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ غَرَرِ الْعَمَلِ مَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْخَادِعِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْجِرُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي عَمَلٍ مَخُوفٍ كَالْبِئْرِ ذَاتِ الْحَمْأَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>