. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَقِيلَ: أَصْلِيَّة، وَهِيَ الدَّكَّة بِفَتْحِ الدَّال: وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع يُجْلَس عَلَيْهِ. قَوْله: (كَانُوا يَنْهَوْنَ) بِفَتْحِ الْيَاء وَالْهَاء، وَرِوَايَة ابْنِ حِبَّانَ: " أَلَيْسَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذَا؟ " قَوْله: (حِين مَدَدْتنِي) أَيْ مَدَدْت قَمِيصِي وَجَبَذْته إلَيْك، وَرِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ: " أَلَم تَرَنِي قَدْ تَابَعْتُك " وَفِي رِوَايَة لِأَبِي دَاوُد: " قَالَ عَمَّارُ: لِذَلِكَ اتَّبَعْتُك حِين أَخَذْت عَلَى يَدِي ". وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُكْرَه ارْتِفَاع الْإِمَام فِي الْمَجْلِس. قَالَ ابْنُ رَسْلَانِ: وَإِذَا كُرِهَ أَنْ يَرْتَفِع الْإِمَام عَلَى الْمَأْمُوم الَّذِي يَقْتَدِي بِهِ فَلَأَنْ يُكْرَه ارْتِفَاع الْمَأْمُوم عَلَى إمَامه أَوْلَى. وَيُؤَيِّد الْكَرَاهَة حَدِيث ابْن مَسْعُود. وَظَاهِر النَّهْي فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّم لَوْلَا مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الِارْتِفَاع عَلَى الْمِنْبَر
وَقَدْ حَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرّ الِارْتِفَاع قَدْر الْقَامَة مِنْ الْمُؤْتَمّ فِي غَيْر الْمَسْجِد إلَّا بِحِذَاءِ رَأْس الْإِمَام أَوْ مُتَقَدِّمَا. وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِفِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وَقَالَ: الْمَذْهَب أَنَّ مَا زَادَ فَسَدَ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَصْل الْبُعْد التَّحْرِيم لِلْإِجْمَاعِ فِي الْمُفْرِط، وَلَا دَلِيل عَلَى جَوَاز مَا تَعَدَّى الْقَامَة. وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْل عَدَم الْمَانِع، فَالدَّلِيل عَلَى مُدَّعِيه، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُعْفَى قَدْر ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاع، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابه فِي وَجْهه. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَضُرّ الْبَعْد فِي الِارْتِفَاع مَهْمَا عَلِمَ الْمُؤْتَمّ بِحَالِ الْإِمَام. وَأَمَّا ارْتِفَاع الْمُؤْتَمّ فِي الْمَسْجِد، فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْقَامَة، وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَا يَضُرّ ارْتِفَاع الْإِمَام قَدْر الْقَامَة فِي الْمَسْجِد وَغَيْره، وَإِذَا زَادَ عَلَى الْقَامَة كَانَ مُضِرَّا مِنْ غَيْر فَرْق بَيْن الْمَسْجِد وَغَيْره
وَالْحَاصِل مِنْ الْأَدِلَّة مَنْع ارْتِفَاع الْإِمَام عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ مِنْ غَيْر فَرْق بَيْن الْمَسْجِد وَغَيْره وَبَيْن الْقَامَة وَدُونهَا وَفَوْقهَا، لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: إنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ. وَقَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الْحَدِيث. وَأَمَّا صَلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَر. فَقِيلَ: إنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِغَرَضِ التَّعْلِيم كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله: «وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» وَغَايَة مَا فِيهِ جَوَاز وُقُوف الْإِمَام عَلَى مَحَلّ أَرْفَع مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ إذَا أَرَادَ تَعْلِيمهمْ
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلّ بِهِ عَلَى جَوَاز الِارْتِفَاع مِنْ غَيْر قَصْد التَّعْلِيم لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّ اللَّفْظ لَا يَتَنَاوَلهُ، وَلِانْفِرَادِ الْأَصْل بِوَصْفٍ مُعْتَبَر تَقْتَضِي الْمُنَاسَبَة اعْتِبَاره فَلَا بُدَّ مِنْهُ انْتَهَى
عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُول أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَهَى عَنْ شَيْء نَهْيًا يَشْمَلهُ بِطَرِيقِ الظُّهُور ثُمَّ فَعَلَ مَا يُخَالِفهُ، كَانَ الْفِعْل مُخَصِّصًا لَهُ مِنْ جِهَة الْعُمُوم دُون غَيْره، حَيْثُ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيل عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ الْفِعْل، فَلَا تَكُون صَلَاته عَلَى الْمِنْبَر مُعَارِضَة لِلنَّهْيِ عَنْ الِارْتِفَاع بِاعْتِبَارِ الْأُمَّة. وَهَذَا عَلَى فَرْض تَأَخُّر صَلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَر عَنْ النَّهْي مِنْ الِارْتِفَاع. وَعَلَى فَرْض تَقَدُّمهَا أَوْ الْتِبَاس الْمُتَقَدِّم مِنْ الْمُتَأَخِّر فِيهِ الْخِلَاف الْمَعْرُوف فِي الْأُصُول فِي التَّخْصِيص بِالْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَلَبِّس
وَأَمَّا ارْتِفَاع الْمُؤْتَمّ، فَإِنْ كَانَ مُفْرِطَا بِحَيْثُ يَكُون فَوْق ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاع عَلَى وَجْه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute