بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
١٦٨ - (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ]
قَوْلُهُ: (فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَسْلَهُمَا فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ أَسْلَفَنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
قَوْلُهُ: (فَمَضْمَضَ) الْمَضْمَضَةُ: هِيَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ، ثُمَّ يُدِيرُهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَقَلُّهَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إدَارَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْإِدَارَةَ شَرْطٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا الرُّجُوعُ إلَى مَفْهُومِ الْمَضْمَضَةِ لُغَةً، عَلَى ذَلِكَ تَنْبَنِي مَعْرِفَةُ الْحَقِّ، وَاَلَّذِي فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ: تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَنْثَرَ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَاسْتَنْشَقَ) وَالِاسْتِنْثَارُ أَعَمُّ قَالَهُ فِي الْفَتْحِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ: الِاسْتِنْثَارُ هُوَ إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ الْأَنْفِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: الِاسْتِنْثَارُ: هُوَ الِاسْتِنْشَاقُ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ: هِيَ الْأَنْفُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: رَوَى سَلَمَةُ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ: نَثَرَ الرَّجُلُ وَانْتَثَرَ وَاسْتَنْثَرَ إذَا حَرَّكَ النَّثْرَةَ فِي الطَّهَارَةِ انْتَهَى.
وَفِي الْقَامُوسِ اسْتَنْثَرَ: اسْتَنْشَقَ الْمَاءَ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْأَنْفِ كَانْتَثَرَ. وَقَالَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ: اسْتَنْشَقَ الْمَاءَ: أَدْخَلَهُ فِي أَنْفِهِ. إذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَعْنَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لُغَةً فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمِنْ أَهَلِ الْبَيْتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ إلَى وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَاجِبٌ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَالْمَضْمَضَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا وَمَا نُقِلَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ مُتَعَقَّبٌ بِهَذَا.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْوُجُوبِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا أَنَّهُ مِنْ تَمَامُ غَسْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute