بَابُ أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ لَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ
٤٣ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحَهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ) .
ــ
[نيل الأوطار]
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَرْجَحُ لِأَنَّ فِيهَا الْعَمَلَ بِالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ مَعًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَكَانَ الْقِيَاسُ وُجُوبُ غَسْلِهِ دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِفَرْكِهِ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ الدَّمِ بِالْفَرْكِ، وَيَرُدُّ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ أَيْضًا مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ: «كَانَ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَيَحُتُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» فَإِنَّهُ تَضَمَّنَ تَرْكَ الْغَسْلِ فِي الْحَالَتَيْنِ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَالْحَقُّ مَا عَرَفْته.
[بَابُ أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ لَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ]
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لَفْظُهُ: «فِي أَحَدِ جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَنَسٍ نَحْوَهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (فَلْيَغْمِسْهُ) هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ: «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ» وَرَوَاهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلَفْظُ ابْنِ السَّكَنِ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ: أَيْ يَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَوَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً أَوْ قَالَ: سُمًّا» ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجُسُ بِمَوْتِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةَ فِيهِ، إذْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي «حَدِيثِ الذُّبَابِ وَالْخُنْفُسَاءِ اللَّذَيْنِ وَجَدَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيِّتَيْنِ فِي الطَّعَامِ، فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِمَا وَالتَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ» ، وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الذُّبَابِ بِالْغَمْسِ لِصَيْرُورَتِهِ بِذَلِكَ عَقُورًا، وَعَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ الْمُسْتَخْبَثِ لِلْأَمْرِ بِطَرْحِهِ. وَرِوَايَةُ " إنَاءِ أَحَدكُمْ " تَشْمَلُ إنَاءَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِهِمَا فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رِوَايَةِ " شَرَابِ أَحَدِكُمْ ". وَالْفَائِدَةُ فِي الْأَمْرِ بِغَمْسِهِ جَمِيعًا هِيَ أَنْ يَتَّصِلَ مَا فِيهِ مِنْ الدَّوَاءِ بِالطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ، كَمَا اتَّصَلَ بِهِ الدَّاءُ، فَيَتَعَادَلُ الضَّارُّ وَالنَّافِعُ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute