للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ) . حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ. أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ هُمْ سَوَاءٌ»

بَابُ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا

٢٢٣٩ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ

ــ

[نيل الأوطار]

أَبْوَابُ الرِّبَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْكَشَّافِ: كُتِبَتْ بِالْوَاوِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُفَخِّمُ كَمَا كُتِبَتْ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَزِيدَتْ الْأَلِفُ بَعْدَهَا تَشْبِيهًا بِوَاوِ الْجَمْعِ.

وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: الرِّبَا مَقْصُورٌ، وَحُكِيَ مَدُّهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي خَطِّ الْمَصَاحِفِ بِالْوَاوِ انْتَهَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: إنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، وَلُغَتُهُمْ الرَّبْوُ فَعَلَّمُوهُمْ الْخَطَّ عَلَى صُورَةِ لُغَتِهِمْ قَالَ: وَكَذَا قَرَأَهُ أَبُو الْمُحَامَاةِ الْعَدَوِيِّ بِالْوَاوِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ: وَيَجُوزُ كَتْبُهُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ اهـ وَتَثْنِيَتُهُ رَبَوَانِ، وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كِتَابَةَ تَثْنِيَتِهِ بِالْبَاءِ بِسَبَبِ الْكَسْرِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَصْلُ الزِّيَادَةِ إمَّا فِي نَفْسِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: ٥] وَإِمَّا فِي مُقَابِلِهِ كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَقِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي زَادَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنَّهُ فِي الثَّانِي حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَيُطْلَقُ الرِّبَا عَلَى كُلِّ مَبِيعٍ مُحَرَّمٍ اهـ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِهِ.

[بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الربا]

وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ النَّسَائِيّ وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ بِلَفْظِ: «الرِّبَا اثْنَانِ وَسِتُّونَ بَابًا أَدْنَاهَا مِثْلُ إتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ» .

وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ: «الرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَدْنَاهَا الَّذِي يَقَعُ عَلَى أُمِّهِ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ نَحْوِهِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَنْهُ نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ بِلَفْظِ: «الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ» قَوْلُهُ: (آكِلَ الرِّبَا) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ (وَمُؤْكِلَهُ) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إبْدَالُهَا وَاوًا أَيْ وَلَعَنَ مُطْعِمَهُ غَيْرَهُ، وَسُمِّيَ آخِذُ الْمَالِ آكِلًا وَدَافِعُهُ مُؤْكِلًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأَكْلُ وَهُوَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَسَبَبُهُ إتْلَافُ أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَيْهِ) رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد بِالْإِفْرَادِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَشَاهِدَيْهِ أَوْ شَاهِدَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَاتِبَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرِّبَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ، فَأَمَّا مَنْ كَتَبَ أَوْ شَهِدَ غَيْرَ عَالِمٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرِّبَا وَشَهَادَتِهِ وَتَحْلِيلِ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ فِي غَيْرِهِ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فَأَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ فِيمَا أَحَلَّهُ وَفُهِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُهُمَا فِيمَا حَرَّمَهُ. قَوْلُهُ: (أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) . . . إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْصِيَةَ الرِّبَا مِنْ أَشَدِّ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَعْدِلُ مَعْصِيَةَ الزِّنَا الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْفَظَاعَةِ وَالشَّنَاعَةِ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهَا، لَا شَكَّ أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ الْحَدَّ فِي الْقُبْحِ وَأَقْبَحُ مِنْهَا اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلِهَذَا جَعَلَهَا الشَّارِعُ أَرْبَى الرِّبَا، وَبَعْدُ الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي لَا يَجِدُ لَهَا لَذَّةً وَلَا تَزِيدُ فِي مَالِهِ، وَلَا جَاهِهِ فَيَكُونُ إثْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَشَدَّ مِنْ إثْمِ مَنْ زَنَى سِتًّا وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً هَذَا مَا لَا يَصْنَعُهُ بِنَفْسِهِ عَاقِلٌ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ آمِينْ آمِينْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>