وَيُنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ» مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ)
٣٩٢٥ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا؟ قَالَ: ثُمَّ يَخْلُفُ بِقَوْمٍ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ أَعْلَمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِشَهَادَةٍ لَهُ عِنْدَهُ وَذَمِّ مَنْ أَدَّى شَهَادَةً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ]
قَوْلُهُ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ) جَمْعُ شَهِيدٍ كَظُرَفَاءَ جَمْعُ ظَرِيفٍ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شُهُودٍ، وَالْمُرَادُ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ: أَكْمَلُهُمْ فِي رُتْبَةِ الشَّهَادَةِ وَأَكْثَرُهُمْ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا) فِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فَشَاهِدُهَا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُظْهِرْهَا لَضَاعَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ لِيَتِيمٍ لَا يَعْلَمُ مَكَانَهَا غَيْرُهُ فَيُخْبِرُ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ
وَقِيلَ هَذَا مَثَلٌ فِي سُرْعَةِ إجَابَةِ الشَّاهِدِ إذَا اُسْتُشْهِدَ فَلَا يَمْنَعُهَا وَلَا يُؤَخِّرُهَا، كَمَا يُقَالُ: الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ سُؤَالِهِ، عِبَارَةٌ عَنْ حُسْنِ عَطَائِهِ وَتَعْجِيلِهِ قَوْلُهُ: (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَرْنُ يُطْلَقُ مِنْ عَشْرٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَرَجَّحَ الْإِطْلَاقَ عَلَى الْمِائَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: الْقَرْنُ: أُمَّةٌ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْقَرْنُ: أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ وَهُوَ مِقْدَارُ الْمُتَوَسِّطِ فِي أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاقْتِرَانِ فَكَأَنَّهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَقْتَرِنُ فِيهِ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ. قِيلَ الْقَرْنُ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَمَانُونَ، وَقِيلَ مِائَةٌ، وَقِيلَ هُوَ مُطْلَقٌ مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ يَقْرِنُ اهـ. قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ نَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتِّسْعِينَ وَلَا بِمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ الْقَائِلُ. وَالْمُرَادُ بِقَرْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُمْ الصَّحَابَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ " الَّذِي بُعِثْت فِيهِ " وَالْمُرَادُ بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ التَّابِعُونَ، وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ تَابِعُو التَّابِعِينَ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ. وَالتَّابِعِينَ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِينَ بَعْدَهُمْ، وَتَابِعِي التَّابِعِينَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ. وَثَمَّ أَحَادِيثُ مُعَارِضَةٌ فِي الظَّاهِرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ ذِكْرِ مَنْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَهُوَ آخِرُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (يَخُونُونَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْخِيَانَةِ. وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ " يُحْرِبُونَ " بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرَبَهُ يُحْرِبُهُ: إذَا أَخَذَ مَالَهُ وَتَرَكَهُ بِلَا شَيْءٍ، وَرَجُلٌ مَحْرُوبٌ: أَيْ مَسْلُوبُ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْتَمَنُونَ) مِنْ الْأَمَانَةِ: أَيْ لَا يَثِقُ النَّاسُ بِهِمْ لِخِيَانَتِهِمْ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَعَ فِي نَسْخِ مُسْلِمٍ " وَلَا يَتَمَنَّوْنَ " بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، قَالَ غَيْرُهُ: هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: يَتَّزِرُ بِالتَّشْدِيدِ مَوْضِعُ يَأْتَزِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute