للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ إيجَابِ الْحَدِّ بِقَذْفِ الزَّوْجِ وَأَنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُهُ

٢٩١٠ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. فَقَالَ هِلَالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٩] فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا. فَجَاءَ هِلَالٌ، فَشَهِدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، فَقَالُوا: إنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ. فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ)

ــ

[نيل الأوطار]

وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ.

[بَابُ إيجَابِ الْحَدِّ بِقَذْفِ الزَّوْجِ وَأَنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُهُ]

قَوْلُهُ: (الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَى وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَاذِفِ، وَإِذَا وَقَعَ اللِّعَانُ سَقَطَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ اللَّازِمَ بِقَذْفِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ اللِّعَانُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَالْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَنَزَلَ جِبْرِيلُ. . . إلَخْ) فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ هِلَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ. . . إلَخْ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ تَقْدِيمِ الْوَعْظِ لِلزَّوْجَيْنِ قَبْلَ اللِّعَانِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: " ثُمَّ قَامَتْ " فَإِنَّ تَرْتِيبَ الْقِيَامِ عَلَى ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إلَى الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَقَّفُوهَا) أَيْ أَشَارُوا عَلَيْهَا بِأَنْ تَرْجِعَ وَأَمَرُوهَا بِالْوَقْفِ عَنْ تَمَامِ اللِّعَانِ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أَمْرِهَا فَتَلَكَّأَتْ وَكَادَتْ أَنْ تَعْتَرِفَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِفَضِيحَةِ قَوْمِهَا فَاقْتَحَمَتْ وَأَقْدَمَتْ عَلَى الْأَمْرِ الْمَخُوفِ الْمُوجِبِ لِلْعَذَابِ الْآجِلِ مَخَافَةً مِنْ الْعَارِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ قَوْمَهَا مِنْ إقْرَارِهَا الْعَارُ بِزِنَاهَا وَلَمْ يَرْدَعْهَا عَنْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الْعَاجِلُ وَهُوَ حَدُّ الزِّنَى.

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>