٣٢٢٦ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ فِيهِ: " مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ "، وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا إذَا كَانُوا مِنْ مُسْلِمَةٍ أَوْ كَافِرَةٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ تَبَعِ الطِّفْلِ لِأَبَوَيْهِ فِي الْكُفْرِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا فِي الْإِسْلَامِ وَصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُمَيِّزِ]
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، إلَّا عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ الرَّقِّيِّ، وَهُوَ صَدُوقٌ كَمَا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَكَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ صَبْرًا، فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: النَّارُ لَهُمْ وَلِأَبِيهِمْ» . قَوْلُهُ: (عَلَى الْفِطْرَةِ) لِلْفِطْرَةِ مَعَانٍ، مِنْهَا: الْخِلْقَةُ، وَمِنْهَا: الدِّينُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْفِطْرَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَالْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ، وَالدِّينُ، انْتَهَى. وَالْمُنَاسِبُ هَهُنَا هُوَ الْمَعْنَى الْآخِرُ، أَعْنِي الدِّينَ: أَيْ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَإِذَا لَزِمَ غَيْرَهُ فَذَلِكَ لِأَجْلِ مَا يَعْرِضُ لَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ التَّغْيِيرَاتِ مِنْ جِهَةِ أَبَوَيْهِ أَوْ سَائِرِ مَنْ يُرَبِّيهِ.
قَوْلُهُ: (جَمْعَاءَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْجَمْعَاءُ: النَّاقَةُ الْمَهْزُولَةُ، وَمِنْ الْبَهَائِمِ: الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَدَنِهَا شَيْءٌ. انْتَهَى. وَالْمُرَادُ هَهُنَا الْمَعْنَى الْآخِرُ لِقَوْلِهِ: " هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " وَالْجَدْعُ قَطْعُ الْأَنْفِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الشَّفَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ: وَالْجَدَعَةُ مُحَرَّكَةً مَا بَقِيَ بَعْدَ الْقَطْعِ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَهَائِمَ كَمَا أَنَّهَا تُولَدُ سَلِيمَةً مِنْ الْجَدْعِ كَامِلَةَ الْخِلْقَةِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ لَهَا نُقْصَانُ الْخِلْقَةِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِالْجَدْعِ وَنَحْوِهِ، كَذَلِكَ أَوْلَادُ الْكُفَّارِ يُولَدُونَ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ الْكَامِلِ وَمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ التَّلَبُّسِ بِالْأَدْيَانِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ فَإِنَّمَا هُوَ حَادِثٌ لَهُمْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِسَبَبِ الْأَبَوَيْنِ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ يُحْكَمُ لَهُمْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الصَّبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دُونَ أَبَوَيْهِ كَانَ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا بِسَبَبِ أَبَوَيْهِ، فَإِذَا عَدِمَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا وُلِدَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْكُفَّارِ عِنْدَ اللَّهِ إذَا مَاتُوا صِغَارًا غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ بَلْ مَنُوطَةً بِعَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ لَوْ عَاشَ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute