للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا، فَقَالَ نَاسٌ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَهَى عَنْهَا أَلْبَتَّةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَقَدْ ذَكَرَا) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ]

قَوْلُهُ: (الْإِنْسِيَّةَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْإِنْسِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَنَسِيَةٌ بِفُتْحَتَيْنِ. وَزَعَمَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ فِي كَلَامِ أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْأَنَسَ بِفَتْحَتَيْنِ ضِدَّ الْوَحْشَةِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ مَعَ احْتِمَالِ جَوَازِهِ، نَعَمْ زَيَّفَ أَبُو مُوسَى الرِّوَايَةَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ثُمَّ السُّكُونِ، فَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إنْ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَإِلَّا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي اللُّغَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسِيَّةِ: الْأَهْلِيَّةُ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِهَا جَوَازُ أَكْلِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ يَأْتِي الْبَحْثُ عَنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ: (إذْ نَادَى مُنَادِي) وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الَّذِي نَادَى بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا بِلَالًا نَادَى بِذَلِكَ، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ أَنَّ الْمُنَادِيَ بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلَعَلَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ نَادَى أَوَّلًا بِالنَّهْيِ مُطْلَقًا، ثُمَّ نَادَى أَبُو طَلْحَةَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: " فَإِنَّهَا رِجْسٌ " قَوْلُهُ: وَقَرَأَ {قُلْ لا أَجِدُ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ، هَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يَتِمُّ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهَا.

وَأَمَّا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ فَقَدْ تَوَاتَرَتْ النُّصُوصُ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْقِيَاسِ. وَأَيْضًا الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةِ مَخَافَةَ قِلَّةِ الظَّهْرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَرَدَّدَ هَلْ كَانَ النَّهْيُ لِمَعْنًى خَاصٍّ أَوْ لِلتَّأْبِيدِ؟ وَعَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، فَقَالَ نَاسٌ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ أَزَالَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تُخَمَّسْ أَوْ كَانَتْ جَلَّالَةً أَوْ غَيْرَهُمَا حَدِيثُ أَنَسٍ حَيْثُ جَاءَ فِيهِ " فَإِنَّهَا رِجْسٌ " وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ انْتَهَى. وَالْحَدِيثَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَابِ نَجَاسَةِ لَحْمِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إنَّهَا رِجْسٌ عَائِدٌ عَلَى الْحُمُرِ لِأَنَّهَا الْمُتَحَدَّثُ عَنْهَا الْمَأْمُورُ بِإِكْفَائِهَا مِنْ الْقُدُورِ وَغَسْلِهَا، وَهَذَا حُكْمُ النَّجَسِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا لِعَيْنِهَا لَا لِمَعْنًى خَارِجٍ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْأَمْرُ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ظَاهِرُ أَنَّهُ بِسَبَبِ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْحُمُرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ وَرَدَتْ عِلَلٌ أُخَرُ إنْ صَحَّ رَفْعُ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>