وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مَسَخَ اللَّهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَمْ يَهْلِكْ أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا» رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّبِّ]
قَوْلُهُ: (فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا) هُوَ دُوَيْبَّةٌ تُشْبِهُ الْجِرْذَوْنَ وَلَكِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ قَلِيلًا، وَيُقَالُ الْأُنْثَى ضَبَّةٌ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: إنَّهُ يَعِيشُ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَيَبُولُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَطْرَةً، وَلَا يَسْقُطُ لَهُ سِنٌّ وَيُقَالُ: بَلْ أَسْنَانُهُ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (مَحْنُوذًا) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَآخِرُهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ: أَيْ مَشْوِيًّا بِالْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ " بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ ". قَوْلُهُ: (أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ) بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَهَا فَاءٌ مُصَغَّرَةٌ قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَقَالَ: إنَّ الضِّبَابَ مَوْجُودَةٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ تَكْذِيبَ الْخَبَرِ فَقَدْ كَذَبَ هُوَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَرُبَّمَا أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ عَصْرِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، بَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " بِأَرْضِ قَوْمِي قُرَيْشٌ فَقَطْ فَيَخْتَصُّ النَّفْيُ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً بِسَائِرِ بِلَادِ الْحِجَازِ. قَوْلُهُ: (فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) أَيْ أَكْرَهُ أَكْلَهُ، يُقَالُ: عِفْتُ الشَّيْءَ أَعَافُهُ. قَوْلُهُ: (فَاجْتَرَرْتُهُ) بِجِيمٍ وَرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَضَبَطَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُهَذَّبِ بِزَايٍ قَبْلَ الرَّاءِ وَقَدْ غَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ) فِيهِ جَوَازُ أَكْلِ الضَّبِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الضَّبَّ حَلَالٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَتِهِ، وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ حَرَامٌ وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ، فَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ فَمَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ اهـ. قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَيْنَ يَكُونُ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ كَرَاهَتَهَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ: كَرِهَ قَوْمٌ أَكْلَ الضَّبِّ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحُ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ.
وَحَدِيثُ ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ قَوِيٌّ، وَهَؤُلَاءِ شَامِيُّونَ ثِقَاتٌ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ: فِيهِ ضُعَفَاءُ وَمَجْهُولُونَ. وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ، فَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَسَاهُلٌ لَا يَخْفَى، فَإِنَّ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشَّامِيِّينَ قَوِيَّةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهَا.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيُّ وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute