حُجَّةٌ فِي أَنَّ الْأَقِطَ أَصْلٌ.
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «مَا أَخْرَجْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَقَالَ: ابْنُ الْمَدِينِيِّ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُ فِي هَذَا الدَّقِيقِ، فَقَالَ: بَلَى هُوَ فِيهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ الدَّقِيقِ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
. قَوْلُهُ: (فَرَضَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ بِالْوُجُوبِ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، قَالُوا: إذْ لَا دَلِيلَ قَاطِعٌ تَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ. قَالَ الْحَافِظُ: فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُلِّيَّةَ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ كَيْسَانَ الْأَصَمَّ قَالَا: إنَّ وُجُوبَهَا نُسِخَ.
وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا بِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» قَالَ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَاوِيًا مَجْهُولًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نُزُولَ الْفَرْضِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ فَرْضٍ آخَرَ، وَنَقَلَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَابْنِ اللَّبَّانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " فَرَضَ " أَيْ قَدَّرَ وَهُوَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، لَكِنْ نُقِلَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَى الْوُجُوبِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَمَا رَوَى ذَلِكَ ابْنُ خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ: (زَكَاةُ الْفِطْرِ) أُضِيفَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْفِطْرِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَالْمُرَادُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَدَقَةُ النُّفُوسِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: " زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ " وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ " زَكَاةُ الْفِطْرِ " عَلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَقِيلَ: وَقْتُ وُجُوبِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ الْفِطْرُ الْحَقِيقِيُّ بِالْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي: «أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» وَلَكِنَّهَا لَمْ تُقَيَّدْ الْقَبْلِيَّةَ بِكَوْنِهَا فِي يَوْمِ الْفِطْرِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ: " زَكَاةُ الْفِطْرِ " عَلَى الْوَقْتِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute