. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا لَا يُضَحَّى بِهِ لِعَيْبِهِ وَمَا يُكْرَهُ وَيُسْتَحَبُّ]
وَيَزِيدُ ذُو مِصْرَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ. حَدِيثُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَادَّعَى الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَأَنَّهُ مِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاقِلُونَ عَنْهُ فِيهِ انْتَهَى. وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ فَإِنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخْرِجْهُ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ عَلَى الصَّوَابِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ فَقَالَ: صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَحَدِيثُ عُتْبَةُ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ.
قَوْلُهُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ» . . . إلَخْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُ قَرْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَكْسُورِ الْقَرْنِ مُطْلَقًا، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إذَا كَانَ يَدْمِي وَجَعَلَهُ عَيْبًا، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ أَعْضَبَ الْقَرْنِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي كُسِرَ قَرْنُهُ أَوْ عُضِبَ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يُرَى الدِّمَاغُ لَا دُونَ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ فَقَطْ وَلَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ فِيهِ بِخِلَافِ الْأُذُنِ.
وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْعَضْبَاءَ: الشَّاةُ الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَكْسُورَةَ الْقَرْنِ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ مِنْ الْقَرْنِ مِقْدَارًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُقَالُ لَهَا: عَضْبَاءُ لِأَجْلِهِ، أَوْ يَكُونُ دُونَ النِّصْفِ إنْ صَحَّ التَّقْدِيرُ بِالنِّصْفِ الْمَرْوِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لُغَوِيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ وَلَا يَلْزَمُ تَقْيِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا فِي حَدِيثِ عُتْبَةُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُسْتَأْصَلَةِ وَهِيَ ذَاهِبَةُ الْقَرْنِ مِنْ أَصْلِهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْصَلَةَ عَضْبَاءُ وَزِيَادَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَضْبِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا وَلَكِنْ تَفْسِيرُ الْمُصْفَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ عُتْبَةُ بِاَلَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَمِثْلَهُ ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَضْبَ الْأُذُنِ الْمَانِعَ مِنْ الْإِجْزَاءِ هُوَ ذَلِكَ لَا دُونَهُ وَهَذَا بَعْدَ ثُبُوتِ اتِّحَادِ مَدْلُولِ عَضْبَاءِ الْأُذُنِ وَالْمُصْفَرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا تُجْزِئُ عَضْبَاءُ الْأُذُنِ وَهِيَ ذَاهِبَةُ نِصْفِ الْأُذُنِ أَوْ مَشْقُوقَتُهَا أَوْ الَّتِي جَاوَزَ الْقَطْعُ رُبُعَهَا عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا الْمُصْفَرَةُ وَهِيَ ذَاهِبَةُ جَمِيعِ الْأُذُنِ؛ لِأَنَّهَا عَضْبَاءُ وَزِيَادَةٌ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُصْفَرَةَ هِيَ الْمَهْزُولَةُ، حَكَى ذَلِكَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.
وَوَجْهُ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ أَنَّ صِمَاخَهَا صَارَ صُفْرًا مِنْ الْأُذُنِ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا صَارَتْ صُفْرًا مِنْ السَّمْنِ أَيْ: خَالِيَةً مِنْهُ قَوْلُهُ: (أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ) . . . إلَخْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُتَبَيِّنَةَ الْعَوَرِ وَالْعَرَجِ وَالْمَرَضِ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إلَّا مَا كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا غَيْرَ بَيِّنٍ، وَكَذَلِكَ الْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسَرَ الْقَافِ أَيْ: الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ: وَالْعَجْفَاءُ بَدَلُ الْكَسِيرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَهِيَ الْمَرَضُ وَالْعَجَفُ وَالْعَوَرُ وَالْعَرَجُ الْبَيِّنَاتُ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحَ مِنْهَا كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ انْتَهَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُصْفَرَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute