بَابُ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ السِّنِّ
٣٠١٤ - عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ الرُّبَيِّعِ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الْأَرْشَ فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ
ــ
[نيل الأوطار]
وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ يَرْفَعُهُ قَالَ: «اُقْتُلُوا الْقَاتِلَ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ» يَعْنِي احْبِسُوا الَّذِي أَمْسَكَ. وَأَثَرُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْهُ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُمْسِكَ لِلْمَقْتُولِ حَالَ قَتْلِ الْقَاتِلِ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ وَلَا يُعَدُّ فِعْلُهُ مُشَارَكَةً حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، بَلْ الْوَاجِبُ حَبْسُهُ فَقَطْ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالْفَرِيقَيْنِ، يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَفِيَّةَ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُمْ بِالْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] . وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ النَّخَعِيّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ كَالْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ، إذْ لَوْلَا الْإِمْسَاكُ لَمَا حَصَلَ الْقَتْلُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَسْبِيبٌ مَعَ مُبَاشَرَةٍ وَلَا حُكْمَ لَهُ مَعَهَا.
وَالْحَقُّ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ إعْلَالَهُ بِالْإِرْسَالِ غَيْرُ قَادِحٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ يَتَحَتَّمُ الْأَخْذُ بِهَا، وَالْحَبْسُ الْمَذْكُورُ جَعَلَهُ الْجُمْهُورُ مَوْكُولًا إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ فِي طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ تَأْدِيبُهُ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ اسْتِمْرَارُهُ إلَى الْمَوْتِ، وَقَدْ أَخَذَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْحَبْسِ إلَى الْمَوْتِ رَبِيعَةُ
[بَابُ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ السِّنِّ]
قَوْلُهُ: الرُّبَيِّعِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهِيَ بِنْتُ النَّضْرِ قَوْلُهُ: فَطَلَبُوا إلَيْهَا الْعَفْوَ أَيْ طَلَبَ أَهْلُ الْجَانِيَةِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَى أَهْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا أَيْ إلَى أَهْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute