رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا، قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ فَانْطَلَقُوا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
٣٢٧١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ) .
٣٢٧٢ - (وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» ،
ــ
[نيل الأوطار]
[بَاب مَا جَاءَ فِي مُشَاوَرَة الْإِمَام الْجَيْش وَنُصْحه لَهُمْ وَرِفْقه بِهِمْ وَأَخْذهمْ بِمَا عَلَيْهِمْ]
قَوْلُهُ: (حِينَ بَلَغَهُ إقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ) هَذَا الْأَمْرُ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا عَلَى أَوَّلِ الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْحَاجَةِ. وَتَمَامُهُ «فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ، وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُ إذَا صَدَقَكُمْ وَتَتْرُكُونَهُ إذَا كَذَبَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَهُنَا وَهَهُنَا، قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا مَاطَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِهِ» .
قَوْلُهُ: (أَنْ نُخِيضَهَا) أَيْ الْخَيْلَ وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ ثُمَّ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: خَاضَ الْمَاءَ يَخُوضُهُ خَوْضًا وَخِيَاضًا: دَخَلَهُ كَخَوَّضَهُ وَاخْتَاضَهُ، وَبِالْفَرَسِ أَوْرَدَهُ كَأَخَاضَهُ. قَوْلُهُ: (بِرْكِ) بِكَسْرِ الْبَاء الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ، وَالْغِمَادُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مُثَلَّثَةٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَهُوَ مَوْضِعٌ فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُدَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ: وَهُوَ الْبَنْدَرُ الْقَدِيمُ. وَحَكَى صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَنْ ابْنِ عَلِيمٍ فِي الْبَاهِرِ أَنَّهُ أَقْصَى مَعْمُورِ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ اسْتِشَارَةِ أَصْحَابِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ دِينًا وَعَقْلًا. وَقَدْ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى وُجُوبِ اسْتِشَارَةِ الْإِمَامِ لِأَهْلِ الْفَضْلِ، وَاسْتَدَلُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَقِيلَ: إنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ إينَاسًا لَهُمْ وَتَطْيِيبًا لِخَوَاطِرِهِمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّعْظِيمِ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهَا غَيْرُ خَاصَّةٍ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِهِ يَعُمُّ الْأُمَّةَ أَوْ الْأَئِمَّةَ، وَذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute