بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ
٢١٦٤ - عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
٢١٦٥ - وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثُ إيَاسٍ قَالَ الْقُشَيْرِيِّ هُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ لَفْظُ حَدِيثِ إيَاسٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ
ــ
[نيل الأوطار]
فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ، وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنْ اسْتِطْلَاعِ الْغَيْبِ. قَوْلُهُ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا كِنَايَةٌ عَنْ مَنْعِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يُقَالُ لِلطَّالِبِ الْخَائِبِ: لَمْ يُحَصِّلْ فِي كَفِّهِ غَيْرَ التُّرَابِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ التُّرَابُ خَاصَّةً حَمْلًا لِلْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا جُمُودٌ لَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ حَمْلُ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ «اُحْثُوا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ» عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالسِّنَّوْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ: وَهُوَ الْهِرُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْهِرِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضْعِيفِهِ، وَقَدْ عَرَفْت دَفْعَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُرُوءَاتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إخْرَاجُ النَّهْيِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِلَا مُقْتَضٍ.
[بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ]
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَهُوَ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ صَاحِبِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلشُّرْبِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ أَوْ الزَّرْعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي فَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ النَّهْيُ عَنْ نَفْسِ بَيْعِ الْمَاءِ الْفَاضِلِ الَّذِي يُشْرَبُ فَإِنَّهُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ حَاكِيًا عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ فِي الْفَلَاةِ بِشُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مَاءٌ آخَرُ يَسْتَغْنِي بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَذْلُ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ لَا لِسَقْيِ الزَّرْعِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمَاءِ عَلَى الْعُمُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute