للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٢٠٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ فَإِنْ تَلَقَّاهُ إنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إذَا وَرَدَ السُّوقَ.» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ]

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّلَقِّيَ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا النَّهْيِ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ هَاهُنَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ قَالَ بِالْفَسَادِ الْمُرَادِفِ لِلْبُطْلَانِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِعَدَمِ الْفَسَادِ لِمَا سَلَفَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَنْعَقِدْ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ التَّلَقِّيَ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّلَقِّي فِي حَالَتَيْنِ: أَنْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَأَنْ يُلْبِسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ اهـ.

وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الرُّكْبَانِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ مَنْ يَجْلِبُ الطَّعَامَ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ رَاكِبًا، وَحُكْمُ الْجَالِبِ الْمَاشِي حُكْمُ الرَّاكِبِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ فَإِنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ. قَوْلُهُ: (الْجَلَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ الْمَجْلُوبُ يُقَالُ: جَلَبَ الشَّيْءَ جَاءَ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْخِيَارِ) اخْتَلَفُوا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ مُطْلَقًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ عَيْنٌ؟ ذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ صَنْعَةِ الْبَائِعِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَصِيَانَتِهِ مِمَّنْ يَخْدَعُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى نَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ لَا عَلَى نَفْعِ رَبِّ السِّلْعَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا لِأَهْلِ السُّوقِ اهـ

وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ حَتَّى تَهْبِطَ الْأَسْوَاقَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ دَلِيلًا لِمُدَّعَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِمَنْفَعَةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا إذَا هَبَطَتْ الْأَسْوَاقَ عُرِفَ مِقْدَارُ السِّعْرِ فَلَا يُخْدَعُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ: الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ مُرَاعَاةُ نَفْعِ الْبَائِعِ وَنَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>