بَابُ الْمُصَلِّي يَسْجُدُ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ وَلَا يُبَاشِرُ مُصَلَّاهُ بِأَعْضَائِهِ
٧٥٤ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) .
ــ
[نيل الأوطار]
خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُتَحَتِّمُ، وَالْمُنَاقَشَةُ بِالْمَجَازِ بِدُونِ مُوجَبٍ لِلْمَصِيرِ إلَيْهِ غَيْرُ ضَائِرَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي سُجُودِهِ» .
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينُ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَابُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا.
وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِسَمُّويَةَ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالْيَدَيْنِ) الْمُرَادُ بِهِمَا: الْكَفَّانِ بِقَرِينَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ افْتِرَاشِ السَّبُعِ وَالْكَلْبِ. قَوْلُهُ: (وَالرِّجْلَيْنِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ: الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، وَهِيَ مُعَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى السَّبْعَةِ الْأَعْضَاءِ جَمِيعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ يَحْصُلُ بِوَضْعِهَا دُونَ كَشْفِهَا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ كَشْفَ الرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِمَا يُحْذَرُ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ كَشْفِ الْقَدَمَيْنِ فَلِدَلِيلٍ لَطِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بِمُدَّةٍ يَقَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِالْخُفِّ فَلَوْ وَجَبَ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ لَوَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ الْمُقْتَضِي لِنَقْضِ الطَّهَارَةِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِلَابِسِ الْخُفِّ لِأَجْلِ الرُّخْصَةِ. وَأَمَّا كَشْفُ الْيَدَيْنِ وَالْجَبْهَةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. وَقَدْ ذَهَبَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ السَّبْعَةِ الْأَعْضَاءِ. وَذَهَبَ النَّاصِرُ وَالْمُرْتَضَى وَأَبُو طَالِبٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْجَبْهَةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ كَشْفُ الْيَدَيْنِ كَالْجَبْهَةِ، وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: إنَّهُ لَا يَجِبُ كَعِصَابَةِ الْحُرَّةِ وَسَيَأْتِي الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ.
[بَابُ الْمُصَلِّي يَسْجُدُ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ وَلَا يُبَاشِرُ مُصَلَّاهُ بِأَعْضَائِهِ]
قَوْلُهُ: (ثَوْبَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الثَّوْبُ فِي الْأَصْلِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَخِيطِ وَالْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute