للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي رَاكِبٌ غَدًا إلَى يَهُودَ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، وَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَا جَاءَ فِي بُدَاءَتِهِمْ بِالتَّحِيَّةِ وَعِيَادَتِهِمْ]

قَوْلُهُ: (لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ. . . إلَخْ) فِيهِ تَحْرِيمُ ابْتِدَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَقَدْ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ عَامَّةِ السَّلَفِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى جَوَازِ ابْتِدَائِنَا لَهُمْ بِالسَّلَامِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ مُحَيْرِيزٍ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لَكِنَّهُ قَالَ: يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَلَا يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إفْشَاءِ السَّلَامِ، وَهُوَ مِنْ تَرْجِيحِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُحَقِّقِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي النَّهْيِ عَنْ ابْتِدَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ أَخَصُّ مِنْهَا مُطْلَقًا وَالْمُصَيْرُ إلَى بِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَاجِبٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَلَا يُحَرَّمُ وَهُوَ مُصَيَّرٌ إلَى مَعْنَى النَّهْيِ الْمَجَازِيِّ بِلَا قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ سَلَّمْتَ فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ، وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ قَوْلُهُ: (وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهَا) أَيْ أَلْجِئُوهُمْ إلَى الْمَكَانِ الضَّيِّقِ مِنْهَا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ لِلذِّمِّيِّ صَدْرَ الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ إنْزَالِ الصَّغَارِ بِهِمْ وَالْإِذْلَالِ لَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلْيَكُنْ التَّضْيِيقُ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ وَنَحْوُهُ

١ -

قَوْلُهُ: (فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " فَقُولُوا عَلَيْكُمْ " وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ " فَقُلْ عَلَيْكَ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ، وَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَبِدُونِهَا، وَبِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وَكَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ لَوْ قَالُوا السَّامُ بِحَذْفِ اللَّامِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ الْمَوْتُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا سَلَّمُوا لَكِنْ لَا يُقَالُ لَهُمْ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، بَلْ يُقَالُ: عَلَيْكُمْ، أَوْ وَعَلَيْكُمْ، فَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِهَا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا: عَلَيْكُمْ الْمَوْتُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا: أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ كُلُّنَا نَمُوتُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيكِ، وَتَقْدِيرُهُ وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمِّ، وَأَمَّا مَنْ حَذَفَ الْوَاوَ فَتَقْدِيرُهُ بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ. قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ حَذْفَ الْوَاوِ، فَتَقْدِيرُهُ بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِإِثْبَاتِهَا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ عَلَيْكُمْ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>