للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَنْ اجْتَازَ فِي بَلَد فَتَزَوَّجَ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ زَوْجَة فَلْيُتِمَّ]

الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَأَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ، وَفِي إسْنَاده عِكْرِمَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ ضَعِيف كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ فِي الْهَدْيِ: قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: وَيُمْكِن الْمُطَالَبَة بِسَبَبِ الضَّعْف، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ عِكْرِمَةَ الْمَذْكُور فِي تَارِيخه وَلَمْ يَطْعَن فِيهِ.

وَعَادَته ذِكْر الْجُرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِع وَفِي رُوَاته مَنْ لَا يُحْتَجّ بِهِ وَيَرُدّهُ قَوْل عُرْوَةَ: إنَّ عَائِشَةَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، وَلَا جَائِز أَنْ تُؤَوِّل عَائِشَةُ أَصْلَا، فَدَلَّ عَلَى وَهْيِ ذَلِكَ الْخَبَر، قَالَ: ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يُمْكِن أَنْ يَكُون مُرَادُ عُرْوَةَ بِقَوْلِهِ: تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، التَّشْبِيه بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَام بِتَأْوِيلٍ، لَا اتِّحَاد تَأْوِيلهمَا. وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيل عُثْمَانَ فَتَكَاثَرَتْ، بِخِلَافِ تَأْوِيل عَائِشَةَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاءِ: " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا " فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي حُرُوبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ؟ وَقِيلَ فِي تَأْوِيل عَائِشَةَ: إنَّهَا إنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرهَا إلَى الْبَصْرَةِ لِقِتَالِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْقَصْر عِنْدهَا إنَّمَا يَكُون فِي سَفَر طَاعَة. قَالَ فِي الْفَتْح: وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ بَاطِلَانِ، لَا سِيَّمَا الثَّانِي.

قَالَ: وَالْمَنْقُول فِي سَبَبِ إتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْر مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصَا سَائِرَا. وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَان أَثْنَاءَ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْم الْمُقِيم فَيُتِمّ. وَالْحُجَّة فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى دَارِ النَّدْوَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَا لَهُ: لَقَدْ عِبْت أَمْرَ ابْنِ عَمِّك لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا، ثُمَّ إذَا خَرَجَ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ، فَإِذَا فَرَغَ الْحَجّ وَأَقَامَ بِمِنًى أَتَمَّ الصَّلَاة.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْوَجْه الصَّحِيح فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّته، وَآخَذَا أَنْفُسهمَا بِالشِّدَّةِ، وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَة مِنْ آخِرهمْ الْقُرْطُبِيُّ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُثْمَانَ: إنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاة لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَة بَعَدَ الْحَجّ. وَأُجِيب بِأَنَّهُ مُرْسَل وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْإِقَامَة بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَام.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَدِّع الْبَيْت إلَّا عَلَى ظَهْر رَاحِلَته وَيُسْرِع الْخُرُوجَ خَشْيَة أَنْ يَرْجِع فِي هِجْرَته. وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ لَمَّا حَاصَرُوهُ: ارْكَبْ رَوَاحِلك إلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: لَنْ أُفَارِق دَار هِجْرَتِي.

وَأَيْضًا قَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَا يُخَالِفهُ، فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْره مِنْ هَذَا الْوَجْه عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا صَلَّى عُثْمَان بِمِنًى أَرْبَعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>