للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا ثُمَّ قَالَ: هَاهُنَا كَانَ يَقُومُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.»

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَحْكَامِهِ]

قَوْلُهُ (الْجَمْرَةَ) يَعْنِي: جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى) لَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ الْأَحْسَنُ لِرَمْيِهَا وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ: إنَّهُ لَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ، وَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَ. وَحَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ مِنْ ضُحَى يَوْمَ النَّحْرِ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ مِنْ وَقْتَ الضُّحَى بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي: قَالُوا: وَإِذَا كَانَ مَنْ رَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَهُ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَمَنْ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ أَوْلَى، وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ لِلرَّمْيِ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ الْآتِي وَلَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِحَمْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى النَّدْبِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: السُّنَّةُ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَمَنْ رَمَاهَا حِينَئِذٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ انْتَهَى.

وَالْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِمَنْ كَانَ لَا رُخْصَةَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ رُخْصَةٌ كَالنِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ الضَّعَفَةِ جَازَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ النَّحْرِ إجْمَاعًا وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الرَّمْيَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ عَلَى حِكَايَةِ الْوُجُوبِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ: إنَّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سُنَّةٌ وَحَكَى عَنْهُمْ أَنَّ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رُكْنٌ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ، وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا أَنَّ الرَّمْيَ إنَّمَا شُرِعَ حِفْظًا لِلتَّكْبِيرِ فَإِنْ تَرَكَهُ وَكَبَّرَ أَجْزَأَهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .

قَوْلُهُ: (عَلَى رَاحِلَتِهِ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ رَمْيَ الرَّاكِبِ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَفْضَلُ مِنْ رَمْيِ الرَّاجِلِ، وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَقَالَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ: إنَّ رَمْيَ الرَّاجِلِ أَفْضَلُ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَاكِبًا لِعُذْرِ الِازْدِحَامِ قَوْلُهُ: (لِتَأْخُذُوا) بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ لَامُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ قَالَ: وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>